الدفاع عن الخطأ وتبريره!
نصير المهدي.
الدفاع عن الخطأ وتبريره مشاركة فيه وحقا في تقييم الأشخاص والمناسبات تختلط الأمور ببعضها فلا يُعرف للحقيقة والحق مكان عندما تغيب مقاييس الإنصاف ومعايير العدالة وكثير من المواقف والآراء تصبغها دوافع طائفية واضحة ولا تحتاج إلى جهد لبيانها أو نكاية بالوضع القائم ولو على حساب الضحايا الأبرياء لمن سبقهم في جرائمه بحق العراق وأهله .
الحمد لله أن صاحب هذه الكلمات له موقف ثابت من الاحتلال وتداعياته ونتائجه حتى قبل أن يقع ويشهد لي الأصدقاء الذين جمعتني بهم المواقف المشتركة بأني كنت من الأصوات المرتفعة في التنبيه إلى مخاطر الاحتلال القادم في العراق ولم يفتني موقف في المشاركة في فضح من تورط من المعارضة في التواطؤ مع المحتلين الأميركان وحلفائهم البريطانيين طمعا في دور وحصة من الغنيمة العراقية وحقا كنت أسعى إلى الظهور في أي مكان أعلم أن فيه فرصة لتنبيه العراقيين والعرب إلى ما ينتظر العراق من مخططات خطيرة من شاشات الفضائيات إلى الندوات والاجتماعات وغيرها من النشاطات فضلا عن المشاركات في مختلف الهيئات والتجمعات العراقية والأجنبية التي وقفت في مواجهة الحرب والاحتلال ولي الفخر أني كنت الوحيد الذي تصدى لمؤتمر لندن في عقر داره وأمضيت الأيام الثلاثة للمؤتمر مرابطا في الفندق الذي عقد فيه أحاول أن أشرح لوسائل الإعلام حقيقة ما يجري من تحضيرات لغزو العراق واحتلاله ولم يشارك معي سوى الأخ والصديق الراحل العزيز صباح جواد بينما كان آلاف العراقيين المقيمين في بريطانيا يتفرجون على الحدث عبر الشاشات السوداء ولو كانت هناك مشاركة من نوع ما لما مضت الأمور بالطريقة المعروفة .
وبعد الاحتلال لم أوفر أحدا ممن أراه مشاركا في المسؤولية عما يجري في العراق دون هوادة بدءا من المرجعيات الدينية حتى آخر سياسي ولا أذكر الطبقة السياسية الحاكمة إلا وأقرنها بصفتين هما الفاسدة العملية وهي كذلك ولا أستثني أحدا كما عبرت مرارا وتكرارا .
هذا المدخل الطويل أردته تقدمة للأمر التالي وهو الاحتفاء بوفاة منذر الشاوي مع حفظ الألقاب كعادتي الذي تولى مسؤوليات كثيرة من بينها التعليم العالي مرتين والطامة الكبرى وزارة العدل لفترة طويلة في زمن من أسوأ وأشرس الأزمنة في تاريخ العراق كله حيث كان آلاف من أبناء العراقيين يساقون إلى الموت بأحكام تعسفية خارج قضاء حقيقي وفي ظل محاكم استثنائية يقوم المحامي فيها بدور الشيطان فيدعو المحكمة لإنزال أقصى العقوبات بحق المتهم الذي يدعوه بالمجرم فيكون قد أصدر الحكم عليه حتى قبل أن ينطقه القاضي وأي قاضي ؟! هذا إذا كان المعتقل محظوظا فكسب أياما إضافية ويصل فيها إلى محكمة الثورة التي كانت تصدر الأحكام جزافا وحتى بطريقة عشوائية بحسب توصيات ضباط الأمن وقد قدم أحد ضباط الأمن النادرين مؤخرا شهادة لا سابقة لها عن التصفيات في ظل فاضل البراك الذي أمر بتصفية كل من يُشك بولائه للحزب والثورة على أن يسجل بجانب اسمه أطلق سراحه بحسب السياق ثم تصدر محكمة الثورة أحكامها بناء على ذلك بعد أن يكون الضحية قد قتل في دوائر الأمن ودفن في مكان مجهول وظلت الملاحقات والمضايقات تلاحق أهله حتى الدرجة الخامسة بحسب القانون المعروف الذي سن في عهد البعث وليس له مثيل في أركان الدنيا الاربعة .
وآلاف الأحكام التي صدرت بحق الناس بأقصى وأقسى عقوبة على ذنب في غالبيتها العظمى لا يستحق حتى السجن لأسبوع وكانت تلك الأحكام بالإعدام تنفذ بأمر وتوقيع وزير العدل منذر الشاوي الذي توفي مؤخرا في عمان وقد يكون الرجل مجبرا في زمنه ويخشى العقوبات الصارمة في ظل نظام آل المجيد الذي لا يتورع عن الفتك بالناس مع أنه من غير المتوقع أن يناله شئ مما ينال الآخرين لأسباب معروفة إنما لنبحث له عن عذر ولكن ثمانية عشر عاما مرت كافية للمراجعة وقول كلمة الحق والاعتذار للضحايا وقد فعلها من قبل تايه عبد الكريم الذي شارك في محكمة صورية وقعت على أحكام جاهزة بحق رفاقه من قادة الحزب الحاكم .
منذر الشاوي بدون شك قامة علمية ورجل أكاديمي معتبر وينحدر من عائلة ذات شأن اجتماعي مرموق وله آثار علمية كبيرة ولكنه مقابل هذا شارك النظام إجرامه بحق العراقيين وقد واتته الفرصة كي يقدم الإعتذار لضحاياه مع أنه كان وحتى وفاته يتقاضى راتبه التقاعدي ومخصصاته في الأردن كما هم جميع الذين تولوا وظائف في العراق في ظل حكم صدام وآل المجيد حتى أكثرهم إجراما بحق الناس وهذه ظاهرة حميدة لا وجود لها في كل عهد من عهود الدولة العراقية ولا تزكي بحال الوضع القائم في العراق اليوم .
لا أجد مبررا اليوم لهذا التباكي على الراحل وكأنه يعاني من ظلامة معينة وقد يتذرع البعض بالمستوى الأكاديمي للرجل ولكن ما قيمة الشهادات والمؤلفات إن كان صاحبها يأتمر بأوامر أمي جاهل كعبد حمود ولا يتورع من ثم عن البصم على قتل آلاف الناس خاصة وأنه تولى الوزارة في أكثر السنوات من حيث أعداد الضحايا في تاريخ العراق كله ثم مقابل شهاداته وكتبه كم قتل وسجن وعذب النظام الذي كان يحتل وزير عدله المغيب من العلماء والأكاديميين وأصحاب الشهادات والمؤلفات ومع الأسف هناك إزدواجية وطنية وأخلاقية في النظر للأمور وبصراحة لا يحق لأحد أن يتناول جرائم العهد الجديد ومجرميه دون أن يرفق هذا الأمر بإدانة صريحة وواضحة لكل مجرم وكل جريمة ارتكبت بحق العراقيين من قبل وهذا هو مقياس الإنصاف والعدالة والموقف الأخلاقي الحقيقي ومنافق من يتباكى على ضحايا الجرائم التي سقط بها مئات الضحايا من شباب العراق بعد الحراك الشعبي الأخير ثم يدافع في الوقت نفسه عن أو يبرر لنظام القتلة والمجرمين الذي كان يقوده صدام وعشيرته .
واقولها صريحة واضحة بدون مجاملة لن تقوم للعراق قائمة يتجاوز فيها هذا الوضع البالغ السوء الآن وينسى فيه العراقيون كل ما جرى وأساء لوحدتهم وفرقهم أحزابا وشيعا ويجمعهم على هوية وطنية موحدة وغايات مشتركة في بناء عراق جديد آمن ومستقر قائم على المواطنة والمساواة والعدالة وسيادة القانون دون إدانة صريحة وواضحة لجرائم صدام ونظامه خاصة وأن تلك الجرائم الكبرى من النوع الذي لا يسقط بالتقادم فضلا عن أنها مازالت طرية في الأذهان والنفوس .
الكلام هنا عن موقف مبدئي ولا يعني شخصا معينا ولهذا أرجو الابتعاد عن الإساءة المباشرة لشخص المتوفي فليس هو القصد من هذا المنشور وقد سبقته حالات مماثلة لوزراء ومسؤولين سابقين تباكى عليهم الكثيرون لنفس الدوافع مع أنهم ذهبوا إلى بارئهم يجرون وراءهم أوزارا ثقيلة .
2021-02-26