ارطنوا كما تشاؤون!
علي محسن حميد.
نرتكب الفاحشة السياسية عمليا ولكننا لانتردد من استخدام رطانة ماقبل ارتكابها. لن استخدم العبارة التي استخدمها السناتورالامريكي روبرت كِندي قبيل اغتياله عام 1968عن العرب بأنهم ينبحون ولايعضون لأننا لم نعد حتى ننبح.شارعنا عُقِّم.نعلم أن إسرائيل تريد الأرض وليس السلام وقد رسخت هذه القناعة لدى عدة قيادات عربية منها الحسن والحسين.وزير الخارجية التونسي السابق وسفير تونس في لندن السيد خُميِّس الجهيناوي قال لي قبل أكثر من خمسة عشر عاما وأنا هنا لاأفشي سرا بأن إسرائيل لن تتخلى عن أي أرض احتلتها عام 1967 وتلك هي خلاصة تجربته بعد عمله في إسرائيل لثلاث سنوات كمدير لمكتب تونسي كان غرضه مع مكاتب عربية أخرى فتحت في تل أبيب بعد اتفاق اوسلو عام 1993طمأنة إسرائيل بأن العرب جادون في قبول إسرائيل بينهم والتطبيع وإنهاء حالة الحرب.كان هذا قبل المبادرة العربية للسلام عام 2002التي لم تعرها الولايات المتحدة وإسرائيل أي اهتمام رغم أن المبادرة أهديت للصحفي اليهودي الامريكي ديفيد فريدمان كحامل رشوة للإدارة الامريكية من ولي العهد السعودي الأمير عبد الله الذي لم يتشاوربشأنها حتى مع منظمة التحرير.هدفها كان التوقف عن الحديث عن مقرطة المنطقة وبالذات مقرطة السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.أيامئذ نجحت إسرائيل وإعلامها العابر للحدود في تقديم خلاصة للعالم أن سبب الحدث هوغياب الديمقراطية في الوطن العربي وليس المشكلة الفلسطينية وروج فريدمان في النيويورك تايمز لهذه الأكذوبة وأعقب ذلك لقاء بين ولي العهد السعودي عبدالله والرئيس جورج بوش الإبن في مزرعته بتكساس التي زُعم أنها تمت من أجل فلسطين والحقيقة أنها كانت لحث امريكا على تناسى المقرطة وحملتها المستعرة في واشنطن ولندن وبون وباريس وتل أبيب التي ترافقت مع مشاريع رسمية للمقرطة ، بريطانية وفرنسية – المانية وللاتحاد الاوربي وبعد ذلك سكت شهريار الديمقراطي الغربي عن الكلام.
امريكا تغير لغتها ونحن في نفس الرطانة:
الولايات المتحدة الإسرائيلية عندما غيرت موقفها من القضية الفلسطينية غيرت لغتها بل وحولت لغتها الجديدة إلى سياسة داخلية .بعد هزيمة يونيو – حزيران 1967 كانت هي القائلة ب”سلام عادل وشامل ودائم” وبأن “أي تغيير ينشئ حقائق إسرائيلية جديدة على الأرض لن يعترف به وغير مقبول” وقد قصدت بذلك الاستيطان على تواضعه قبل اوسلو عام 1993 وقالت بأن “القدس لايمكن تقسيمها وعودتها إلى وضع ماقبل عام 1967بمعنى فُهم في وقته بأنها ستكون مدينة موحدة ومفتوحة وعاصمة واحدة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية ورفض يهودتها وأن تصبح عاصمة فقط لدولة الاحتلال بل مدينة لديانات ثلاث وسيعبرمستقبلهاعن تعددهوياتها.وقالت امريكا في اعتراضها المتكررعلى الاستيطان اليهودي أنه “عقبة في طريق السلام” والعقبة ليس لها إلا نتيجة واحدة هي إعاقة الحركة وجعلها مستحيلة وهومايعني بطريقة لالبس فيها إزالتها ونفض المستوطنين منها.وبعد صدور قرارالكونجرس عام1980 بنقل سفارة امريكا إلى القدس العربية المحتلة المضاد للقانون الدولي وانتهاك لحقوق الفلسطينيين التي وصفتها الأمم المتحدة في عشرات القرارات والتوصيات والخطب بأنه”لايمكن إنكارها” تغير جزئيا وتدريجيا الخطاب السياسي الامريكي نحو فلسطين وكان كل ماتعمله الإدارات الامريكية من رونالد ريجان وحتى باراك اوباما هو تأجيل العمل بقرار الكونجرس في نقل السفارة الذي تحول في إدارة دونالد ترامب إلى ضم وقبول بالتهويد والاعتراف بخضوعها لسيادة المحتل الإسرائيلي والتنصل من قرارات دولية صوتت امريكا لصالحها وإنكار حقوق الفلسطينين والعرب المسلمين التاريخية والسياسية فيها .وكنا سذجا ونقنع أنفسنا بأن امريكا لن تجرؤ على تحدي مشاعر 300 مليون عربي ومليار وثلث المليار مسلم وتقبل احتلال القدس. آه منك ياصلاح الدين الذي سمحت لليهود بالعيش فيها بعد منع الصليبيين لهم لحوالي 200 سنة.
السذج يصدقون:
صدق العرب السُّذج أن إسرائيل جادة في قبول مبدأ السلام مقابل الأرض وأن الولايات التمحدة وسيط نزيه وارتكبت القيادة التاريخية الفلسطينية أكبر غلطاتها الاستراتيجية عندما قبلت في اوسلو تأجيل البت في أهم ثلاثة مواضيع مصيرية وهي القدس والاستيطان وحق العودة.كان أقل مايجب عمله في لحظة كانت إسرائيل هي التي تسعى إلى السلام وكان خيار المقاومة لايزال مطروحا وفلسطين في وهجها عربيا ودوليا قبل أن تصاب بداء التشطير وإسرائيل معزولة دوليا وقرار الأمم المتحدة رقم 3379بمساواة الصهيونية بالعنصرية سيف مصلت على رأسها هوالإصرار على وقف الاستيطان والاعتراف الإسرائيلي بأن القدس الشرقية فلسطينية ومحتلة وعاصمة دولة الاستقلال وأن حق العودة لاتنازل عنه ويحل وفق القرارالأممي 194 الذي قبلته إسرائيل وكان قبولها له ولكل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بفلسطين بما فيها القرار الخاص بوضع خاص للقدس،كل القدس، شرطا لعضويتها في الأمم المتحدة. صدمت اوسلو دبلوماسي فلسطيني ودفعته إلى ترك عمله كمستشار في سفارة فلسطين في الهند وقرر العودة للعمل في بلغاريا كطبيب لأن اوسلو حرمته من حقه في العودة .التقطت هذه الحادثة وانتهزت فرصة دعوتي للحديث عن اوسلو في جامعة جواهر لال نهرو ووصفتها بأنها ناقصة Incomplete مما أغضب سفير فلسطين الذي كان مبتهجا بها Rejoycing والكلمة الانجليزية له.وبهذا الصدد أذكر أنه بعد اغتيال إسحاق رابين في ديسمبر1995 طلبت مني إبنتي رشا نقودا لمساهمتها في احتفال في فصلها باغتيال رابين.كانت صاحبة الفكرة زميلة لها بنت عضوفي حزب الإصلاح ( إخوان اليمن). لم أقبل الدفع وجادلتها بأن رابين اغتيل لأنه اختار السلام وأننا من حيث المبدأ لايجب أن نحتفل بمقتل رجل دفع حياته ثمنا له.لم تقتنع إبنتي وبدوري أصررت على موقفي وحملتها رسالة لمديرة مدرسة اليمن الحديثة أطلب منها منع الاحتفال لأني خشيت أن إبنتي الغاضبة والمصرة على الوفاء بما التزمت به قدلاتسلمها الرسالة لم اكتف بذلك وذهبت للقاء المديرة التي كانت قد تسلمت الرسالة وتحدثت معها حول الموضوع وقالت أنها لن تسمح بحدوث الحفل.كنا السذج صادقين في سعينا للسلام عكس عدو السلام .
الأتوقراطيون العرب يصوتون لترامب:
اليوم اللاديمقراطيون العرب الذين لم تعرف شعوبهم الانتخاب والحزبية وحرية التعبير والمعارضة يشاركون في عملية ديمقراطية خارج بلدانهم لإنجاح رئيس فضائحي وشعبوي أيد سياسة التوسع الإسرائيلي علنا ومنح مالايملك كالقدس والجولان لإسرائيل ولم يحدث جدل في تاريخ امريكا حول أهلية رئيس لقيادة بلاده ولم يستقيل ويُطرد ويحاكم ويسجن أعضاء بارزين في أي إدارة وتكتب عدة كتب عنه كما حدث في عهد دونالد ترامب. إن من أسباب التحالف مع هذاالرئيس هو غضب اوتوقراطي عربي من سلفه باراك اوباما الذي نصح السعوديين بتقاسم النفوذ مع إيران بدلا من الصراع معها وانتقد نقدا خفيفا التوسع المذهبي الوهابي الذي تسبب في تشدد سلوك وتوجهات ملايين المسلمين واستشهد بما تختزنه ذاكرته عن مسلمي اندونيسيا التي عاش بعض طفولته فيها. ولا استبعد أن السعوديين استكثروا على اوباما ذي البشرة السوداء أن يكون رئيسا وأن يملي عليهم وبلطف نصائحه لمعرفته بتعقيدات وتشعبات العلاقات السعودية – الامريكية وتقييدها لحرية امريكا في اتخاذ قراراتها. وعلى الضفة الأخرى من الأطلسي حدّت السعودية من حرية بريطانيا في انتقاد سجلها في حقوق الإنسان عندما قالت للبريطانيين توقفوا عن إثارة هذا الموضوع ولاتنسوا أنكم دولة عظمى ونووية بفضل مشترياتنا من سلاحكم وتجارتكم معنا واستثماراتكم لدينا وودائعنا المالية لديكم .جقا أن للسعودية نفوذ هائل في الغرب ولكنه لايوظف لخدمة القضايا العربية والسلام الحقيقي والدائم في المنطقة.اليوم التوسعي نتنياهوالمغتبط حقا Rejoycing ، لأنه حقق لإسرائيل “السلام مقابل السلام والاقتصاد مقابل الاقتصاد”ورغم قوله هذا أكثر من مرة لانزال نرطن بنفس الرطانة ونرحب بالهزيمة الجديدة. نتنياهو يقول بملئ الفم وداعا لمبدأ الانسحاب وعدم جواز احتلال الأرض بالقوة( القرارين 242 و338لمجلس الأمن ).لقد نسف عرب مع نتنياهو أسس التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتصرفوا بما ليس لهم حق التصرف به ونقضوا مواثيق وعهود عربية وانتهكوا قرارات دولية ،كنا نتهم اليهود وحدهم بنقضها وبعدم الوفاء بها ونستشهد تأكيدا لذلك بآيات من القرآن الكريم. وفي فناء البيت الأبيض سنسمع نفس الرطانة التي سيسخر منها ترامب ونتنياهو وكل مستمع حول التمسك اللغوي بحقوق الفلسطينيين وسيتساءل كثيرون سرا ألا يحترم هؤلاء شعوبهم ؟. لقد قلناها صريحة أن السلام هو مقابل السلام وقلنا قبل ذلك أن الأراضي الفلسطينية متنازع عليها وغير محتلة وأنها أرض الميعاد وحق لليهود وحدهم وأن الفلسطينيين هم المحتلين. إن لانعدام الديمقراطية حيث لارقيب ولاحسيب عليهم تجعلهم طليقو اليد واللسان والقلم والشيك وهذه ثمرة من ثمرات الاستبداد والتقاء مصالح الامبريالية الامريكية مع الاستبداد العربي في تضييع قضية فلسطين وإضعاف الأمة. إن من التداعيات الخطيرة على العمل العربي المشترك الشك في استمرار الجامعة العربية لأن بقاءها كما تنبأ به المرحوم د. بطرس غالي مرهون بدعم دولها لقضية فلسطين..وختاما فإن من يتوسع على حساب أراضي ومياه جاره – اليمن – بحاجة إلى دعم دولتين عرف تاريخهما بالتوسع.
كاتب من اليمن
2020-09-16