دعوة الى تحرير العراق من كردستان!
” الآن.. الآن.. وليس غداً!”
سلام موسى جعفر.
لم يعد خافياً على أحد من العراقيين ان الشعب الكردي وقواه السياسية القومية والعشائرية في إقليم كردستان قد أنجزوا عملياً إقامة دولة مستقلة عن العراق. ولم يبق سوى الإعلان الرسمي عنها. وهذا الإنجاز المتحقق لا يشكل تطبيقاً لمبدأ حق تقرير المصير. وانما يأتي تنفيذاً لمخططات أمريكية وإسرائيلية معدة سلفاً بهدف إضعاف العراق. بمعنى أوضح فان هذا الاستقلال العملي عن العراق غير المعلن عنه، له دور وظيفي يؤديه كما اشرت في البداية ويتمثل باضعاف العراق عن طريق ادامة أزماته واستنزاف طاقاته وثرواته.
من الضروري الإشارة الى ان استقلال الاقليم العملي عن العراق، لا يعني أن أكراد العراق قد أنجزوا استقلالهم الوطني، حتى لو تم الإعلان الرسمي عنه. لان اعلان هذا الاستقلال من عدمه ليس قرار كردي، بل قرار دولي يعتمد بدرجة أساسية على تلبية مصالح دولة الاحتلال وبالتفاهمات بينها وبين الدول الإقليمية. اعلان استقلال الإقليم لو تم، فان سيشبه الى حد كبير تحقيق أمنية امرأة متزوجة كانت تحلم بالانطلاق الى فضاء حرية أوسع. ومن اجل تحقيق حلم الحرية الذي كان يلازمهافي كل الأوقات تقدم على طلب الطلاق من زوجها الطيب، لكي تتزوج من عشيقها الذي أوهمها بتلك الحرية. لتجد بعد انفصالها ومن ثم ارتباطها الجديد، أنها لم تفقد فقط تلك الحرية التي كانت تنعم بها مع زوجها الطيب، بل والأسواء من ذلك، ستجد نفسها مضطرة، لا الى ترضية زوجها الجديد وحده، بل وكذلك أصدقاء زوجها وتلبية رغباتهم جميعاً!
دعونا الان نبحث عن طبيعة العلاقة الحالية بين الإقليم المستقل عملياً وسائر انحاء العراق. ولا اعتقد ان أياً منا سيجد صعوبة في توصيف تلك العلاقة. رسمياً هي علاقة زواج فيدرالي، وعملياً فقد تجاوزت هذه العلاقة الصيغة الكونفدرالية لتأخذ شكل علاقة دولة داخل دولة. لكن محتواها اتخذ طبيعة دولة أقلية تفرض ارادتها على دولة الأغلبية. هذه العلاقة الشاذة مقررة من قبل دولة الاحتلال الأمريكي، ولا يمكن توقع تعديلها. فلا مصلحة لمؤسس وراعي هذه العلاقة القيام بتعديلها، ولا مصلحة كذلك لسلطة الأقلية ونخبها بتعديلها، ما دامت تدر هذه الصيغة عليهم مكاسب شخصية مالية لم يحلموا بها.
ولنكن واقعيين ونعترف بحقيقة ماثلة أمام أعيننا من أن أغلبية الشعب الكردي، وعلى الرغم من المصاعب الاقتصادية التي يعانيها، واستياءه من فساد الأحزاب والسلطات، إلا أنه على استعداد لتغليب العواطف القومية، والتسامح مع الفاسدين حين يتعلق الامر بالعلاقة مع عرب العراق. ولم يعد ممكناً في ظل الظروف الحالية اقناع الشعب الكردي الشقيق ونخبه بإمكانية انجاز مهام مشتركة لعموم الشعب العراقي بكل أطيافه، لان الشعب الكردي ونخبه السياسية والثقافية ليسوا على قناعة بوجود قاسم مشترك مع سائر الشعب العراقي، ويجد نفسه في غنى عن ربط قضاياه بالقضية الرئيسية للعراق. فثلاثة عقود من الانفصال العملي عن العراق خلقت حاجز نفسي وثقافي لدى الشعب الكردي، موجه عن عمد ضد عرب العراق.
فقد منح التدخل الأمريكي في شؤون العراق بعد توريط النظام في مستنقع الكويت، الفرصة للقوميين الكرد ولزعماء العشائر من تحقيق الانفصال الإداري والثقافي والسياسي عن السلطة المركزية في بغداد، باستثناء تمويل الإدارة الانفصالية التي انْتُزِعَت من واردات برنامج النفط مقابل الغذاء. وكانت نسبتها آنذاك 12% حسب نسبة سكان المناطق الكردية الى مجموع سكان العراق وفق خبراء الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الوقت تحولت المحافظات ذات الأغلبية الكردية الى قاعدة دائمة للقوات الامريكية، ومنفذ مفتوح على مصراعيه للتغلغل الإسرائيلي المخابراتي والثقافي والتجاري. وكذلك تحولت الى ملجئ للجواسيس والخونة من كل الأصناف والألوان. ومنذ ذلك الحين أخذ الشارع الكردي يعكس تفكير نخبه بفك الارتباط بنضال الشعب العراقي وبقضاياه للدرجة التي صار فيها المواطن العراقي الكردي يستنكف من المواطنة العراقية، رغم حمله لوثائقها. كما جرى منع استخدام اللغة العربية في كل مكان ومنها التعليم في مدارس وجامعات المحافظات الخاضعة لسيطرة القوميين الكرد، مما أدى الى ولادة جيل كامل لا يجيد الكتابة ولا التحدث باللغة الرسمية للبلاد.
كان من نتائج الاحتلال الأمريكي المباشر للعراق، تعميق حالة الانفصال الإداري والسياسي الثقافي والنفسي للإقليم عن سائر المحافظات العراقية وتعميق شعور سكان الإقليم بالغربة عن بقية سكان العراق. مما قاد الى ولادة دولة للأقلية الكردية تفرض ارادتها على الأغلبية العربية. ولم تعد توجد في تفكير بسطاء الكرد ونخبهم مهام وقضايا مشتركة توحدهم بسائر الشعب العراقي، لقد نجح العدو في تأسيس وعي بين الاكراد معاد لكل ما هو عربي، ومن الصعب تغييره في الأوضاع السياسية الراهنة. والحقيقة ان انفصال الاقليم أصبح أمرأ مفروغاً منه، ويعتمد الإعلان عنه ضوء أخضر من واشنطن التي لا ترى ان الوقت الحالي مناسبا لإعلان هذا الاستقلال، فالدور الوظيفي الذي تقوم به دولة الإقليم ضمن العراق أهم من الأدوار الوظيفية التي من الممكن ان تقوم بها وهي مستقلة عن العراق. وينطلق الموقف الأمريكي في المسألة من ضعف الثقة بإمكانية المشاركين في العملية السياسية من أحزاب وجماعات وأفراد في بغداد من العمل الخلاق لتنفيذ سياسة تخدم المصالح الامريكية بشكل مبدع من وجهة نظر أمريكية، بسبب التنافس مع النفوذ الإيراني، لذا رأت الإدارة الامريكية ان الحل الأمثل في الوقت الحالي وضع عملاءها من المشاركين في العملية السياسية تحت التهديد والابتزاز لضمان لجوئهم الى طلب النجدة من السفارة الامريكية. كما ان الإدارة الامريكية تريد من بقاء دولة الإقليم ضمن العراق استخدام المليشيا الكردية لقمع أي انتفاضة شعبية تهدد العملية السياسية في بغداد كما حدث عندما تم استخدام لواء الحرس الجمهوري في قمع انتفاضة تشرين قبل نجاح اختطافها من قبل عملائها.
وإغلب ظني ان أغلبية قراء هذه السطور هم على قناعة من ان إقليم كردستان تحول الى كيان طفيلي يعتاش على ما تنتجه مناطق العراق الاخرى بالنهب والابتزاز. الحصة المخصصة للإقليم من الميزانية 12% ارتفعت الى 17% بقرار من مجرم الحرس القومي والعميل الدولي أياد علاوي عندما عينه الحاكم الأمريكي بريمر بمنصب رئيس الوزراء. وهي حصة أكبر من نسبتهم الى عدد سكان العراق. كما ان إدارة الإقليم كما لا يخفى على أي متابع تستولى على عائدات النفط المنتجة في المناطق الخاضعة لسيطرة البيشمركة المسلحة ولا تسلمها الى السلطات المركزية. ولا تسلم أيضا عائدات الجمارك ولا الضرائب المتحصلة من الاعمال والمشاريع ولا رسوم المطارات. وبهذا تقدر حصة الإقليم الفعلية من ميزانية العراق 30% بينما تبلغ نسبة سكانه 12% من العدد الكلي لسكان العراق. والاقليم لا يدفع فوائد القروض التي وقعتها الحكومة المركزية مع البنك الدولي والتي استفاد منها الإقليم بدفع ديون تراكمت عليه لدى شركات النفط العاملة في المناطق التابعة للإقليم. وسبق للحكومة في أربيل ان حصلت على اعانات وقروض مجانية من دول عديدة من بينها دولة العدو الإسرائيلي وحلفائها من محميات الخليج كالسعودية والامارات وقطر ودول اوربية عديدة.
الحصة الكبيرة لكردستان من ميزانية العراق مكنت سياسيها من نشر الفساد وممارسة افساد المناضلين القدامى، وطالت سياسة الافساد أحزاب وجماعات عراقية غير كردية لعبت ولازالت تلعب أدوار وسخة لترطيب الأجواء ودفع المواقف باتجاه الخنوع لابتزازات قادة الإقليم.
الحديث عن تحول كردستان الى ملجأ آمن للإرهابين الفارين وقاعدة لوجستية للاختراق الإسرائيلي للعراق يطول، لكنه يؤكد على حقيقة دامغة من أن بقاء الإقليم ضمن العراق يشكل خطراً امنيا استراتيجيا يصعب السيطرة عليه مع الوقت. ان تسلكات القيادة الكردية الابتزازية وخنوع سياسي المنطقة الخضراء لهذه الابتزازات جعلت مستقبل العراق السياسي والاقتصادي والقانوني تحت رحمة الزعماء الاكراد مما يجعل العلاقة بين الإقليم والحكومة المركزية ليست فقط دولة داخل دولة وانما سيطرة دولة الإقليم على الدولة المركزية.
آن الأوان لاتخاذ قرار بفك الارتباط مع الإقليم. فالزواج بين الإقليم وسائر العراق ليس كاثوليكياً يحرم فسخ عقده. فما دام احد الطرفين غير مقتنع باستمرار الزواج ويمارس الابتزاز والنهب والخيانة العلنية، يستوجب من الطرف الاخر في العلاقة ان يضع كرامته فوق أي اعتبار وان يتحلى بحد معين من الشجاعة لاتخاذ موقف حاسم يضع الطرف الخائن في موقعه وحجمه الحقيقي. الأمر لا يتوقف فقط على على الكرامة والسمعة فقط بل على حسابات الربح والخسارة. حيث سيوفر العراق على نفسه 30% من الميزانية. كما سيتخلص الشعب العراقي من اداة الفيتو الممنوحة لساسة الإقليم كجزء من الدور الوظيفي الذي يقومون به لادامة المشاكل عن طريق وضع العصي في عجلة أي تغيير محتمل.
التفكير السياسي السليم لا يعتمد على العواطف الرومانسية التي تتغنى بوحدة الوطن مهما كان شكل هذه الوحدة. وانما على حسابات الربح والخسارة وعلى الإمكانيات المتاحة. واتوقع رفضاً لدعوتي هذه بتحرير العراق من كردستان، وخصوصاً من قبل الرفاق والأصدقاء الماركسيي والجماعات التي تحشر نفسها بين صفوفهم. ولهذا ساتناول مفهوم حق تقرير المصير من وجهة نظر ماركسية.
حق تقرير المصير في الماركسية هو موقف براغماتي في التطبيق العملي، ولكنه يرتدي دائما ثوب مبدئي. بمعنى ان الموقف الماركسي يشترط دائما تحقيق مصلحة جهة معينة. دعونا نسميها الكادحين، كي اتجنب الدخول في نقاشات فرعية. مصلحة الكادحين تشمل على حد سواء كادحي الأقلية التي ترغب بالانفصال وكادحي الأغلبية. ولهذا فان حق تقرير المصير في الماركسية لا يعني الانفصال دائمًا.
من المؤكد ان قيام دولة كردية منفصلة كليا عن العراق وتابعة الى أمريكا وإسرائيل لن تخدم مصلحة كادحي الأقلية الكردية البالغة نسبتها 12%. ولكن قيام هذه الدولة سيخدم بكل تأكيد مصلحة كادحي الاغلبية البالغة 88%. في هذه الحالة فان مصلحة الأغلبية هي التي تعتمد في التفسير الماركسي.
موقفي الداعي الى التخلص من العلاقة الشاذة بين الإقليم والوطن بفك الارتباط به والاعتراف بدولته المنفصلة عن الوطن، لا تعني الامتناع عن ادانة موقف الحزب الشيوعي العراقي الذي ارتكب أحد أخطر مثالبه على الاطلاق حين اقدم على تقسيم الحزب على أساس قومي. ولست هنا بصدد محاكمة الخطوة نظرياً، بل لمحاكمة سياسية من منطلق عملي. فالقرار أرسل إشارة تشجيع الى القوى القومية الكردية لتنفيذ الانفصال على الأرض كأمر واقع. بينما أصبح الانفصال عند الشيوعيين الاكراد هو التفسير الوحيد لحق تقرير المصير. اما التوقيت فلم يكن مناسبا، لان منطقة كردستان أصبحت تحت هيمنة أمريكا وإسرائيل. كما أدت الى ترك الشعب العراقي في الغرب والوسط والجنوب وحيداً في مواجهة الدكتاتورية بدون الحليف الكردي، مما ساهم في تقوية السلطة في مواجهة الشعب.
من المؤكد ان الاحتلال الأمريكي للعراق هو القضية الرئيسية، ولكن بقاء علاقة الإقليم في وضعه الحالي ضمن العراق يطيل من عمر الاحتلال ويقوي قبضته، لان الإقليم هو احد اخطر أدوات الاحتلال لاضعاف العراق وادامة مشاكله.
وانا ادعو الى فصل الإقليم عن الوطن أعرف جيداً أنه من الممكن أن يتحول الى كماشة إسرائيلية تطبق على خاصرة العراق وسوريا. ولكن أن يكون عدوك خارج بيتك لهو بكل تأكيد أقل خطراً من وجود هذا العدو داخل البيت!
آن الأوان لاجراء عملية بتر الجزء المصاب من الجسد العراقي بالمرض الخبيث، قبل استفحال المرض وانتشاره الى الأجزاء السليمة. لنحافظ على المنطقة الغربية التي هي جزء أساسي من العراق، شعباً وتأريخاً.
2020-09-05