سعادة وكنفاني… وفكرهما الحي
رامز مصطفى
عام 1986، مجموعة فدائية مشتركة من المقاومة الوطنية اللبنانية والجبهة الشعبية تتحرك من أجل تنفيذ عملية استشهادية في نهاريا، وقد حملت اسم "عملية الثامن من تموز 1986". هذا الاسم له دلالة في تاريخ أمتنا ونضالها القومي التحرري، فهو يتصل باغتيال زعيمين وقائدين وطنيين، هما الزعيم انطون سعادة؛ مؤسس الحزب السوري القومي، والذي أعدمته السلطات اللبنانية فجر الثامن من تموز عام 1949، وغسان كنفاني، ذاك المناضل القومي العربي، والصحافي والروائي الذي اغتاله الموساد الصهيوني في الثامن من تموز من العام 1972 في بيروت.
الفارق الزمني بين الإعدام والاغتيال 23 عاماً، لكن ما يجمعهما أكبر من عدد السنين، وهو الهدف والمتمثل في قتل الفكرة ووأدها في المهد، لأن كلا الطرفين اللذين نفّذا الإعدام والاغتيال لم يرعبهما الجسد، بل أخافهما هو العقل والفكر الذي وقف خلف تلك القامات، فقد مثّل الزعيم سعادة العلامة الفارقة في تلك الحقبة في تكريسه لفكر نهضوي اجتماعي، في مواجهة نظام سياسي طائفي مستبدّ شكّل الوجه الآخر لاستعمار غادر جسداً وبقي سلوكاً ونهجاً، وثقافة قامت على الإيغال عميقاً إمعاناً في اضطهاد وقتل للروح الوطنية لدى جموع اللبنانيين آنذاك، وهكذا هو الأديب والصحفي البارع الشهيد غسان كنفاني، ذلك الإنسان الذي عاش مرارة التشرد واللجوء الذي صقل شخصيته، وحثه على تطوير ثقافته وعلومه، فتمرد كسائر أبناء وطنه، لكن ما ميّز كنفاني هو صلابته وقدرته في التعبير عن آرائه، ومواجهته للظلم، والتحريض على الثورة من خلال قصصه وعمله في الصحافة، وموقعه كرئيس تحرير مجلة الهدف، فأيقن "الإسرائيلي" الخطر الذي شكّله كنفاني في فكره وكلمته فاغتاله وهو في ريعان عطائه.
والسؤال اليوم: هل حقق إعدام الزعيم سعادة، واغتيال كنفاني هدف القتلة؟ بالتأكيد لا، لأن فكر سعادة وحزبه حاضر بقوة، وغسان ما يزال بفكره وقصصه سنديانة فلسطينية تكبر.
2015-07-17