الروس والاتراك .. صراع العقل والعاطفة!
ابو زيزوم.
الرئيس التركي حالة فريدة في كثرة خطاباته الانفعالية ، وعدم واقعية تهديداته المتلاحقة ، وتصريحه بكل ما يخطر على باله من آراء وطموحات وأحلام . حتى فقدت أقواله المصداقية ولم يعد الآخرون يكترثون بها . يقابله في المعادلة بوتين السياسي الكتوم الذي لا يكاد يتفوه بكلمة في السنة . لكنه عندما ينطق الكلمة يُحسب لها ألف حساب . مدرستان في السياسة متعارضتان تماما . المدرسة الشطرنجية عند الروس التي تدرس الأمور بدقة متناهية بعيداً عن الأهواء ، ومدرسة الأهواء التركية الشعبوية الصاخبة التي اوشكت ان لا تترك لأصحابها صديقاً .
نتساءل : هل كان اردوغان يتوقع ان تضربه روسيا هذه الضربة ام لا ؟!. إن كان لا يتوقع الضربة فهو غبي . وان كان يتوقعها ولم يعد لها العدة المناسبة فهو احمق . وله مع الروس تجربة سابقة عندما اسقط طائرتهم فأذلوه وحولوه الى تابع يسهل عليهم البطش بحلفائه الإسلاميين عند كل بلدة سورية حتى انتهى به وبهم الامر محشورين امام باب الهوى .
يتصرف اردوغان الان كمن فوجىء بالضربة فجلس مع ادارته يناقشون ماذا يفعلون ! هل يذهب الى الحرب مع روسيا ام يأكل الضربة ويسكت ؟. انه يستنجد بالغربيين الذين دق بينه وبينهم اسفين الفرقة في كل الملفات العالقة . يستنجد بهم من جهة ويهددهم من الجهة الاخرى بفتح الباب للاجئين السوريين كي يعبروا الى أوربا . وتلك هي شخصية اردوغان التي تجعل كل الفرقاء لا يكرهون رؤيته في مأزق كالمأزق الذي هو فيه الان .
اردوغان منبوذ عند الغربيين ولن يستطيع ترميم العلاقة معهم في ساعات كما يود . فعليه ان يقبل سلسلة من الشروط لها اول وليس لها آخر قبل ان يقبلوه صديقا فضلا عن قبوله كحليف . وفي المقدمة من ذلك ان يرضى بمنزلة التابع لا المتبوع . اما ما يريده منهم بأن يساندوا نزواته وتقلباته فشأن غير وارد عندهم وعند غيرهم .
اردوغان يشبه شخصا اشترى سيارة وبعدما دفع الثمن وابرم العقد جلس يناقش نقاط الربح والخسارة في الصفقة . التقييم يا اردوغان يكون قبل الشراء وليس بعده ، لكي تستطيع التراجع عند التأكد من ان العملية خاسرة . اما بعد الإجراءات فكل الذي تستطيع فعله هو الندم .
جميع عناصر القوة بين تركيا وروسيا تميل لصالح الروس . فهم الاقوى عسكريا ، وهم الأقل تضررا في حال توقف العلاقة التجارية والاقتصادية ، وهم الذين يتوافق تواجدهم في سوريا مع القانون الدولي بينما يصنف الوجود التركي إحتلالا . وعلى الصعيد الداخلي لا يواجه بوتين معارضة مؤثرة بينما يعاني حزب اردوغان من الانشقاقات عدا المعارضة التقليدية المتزايدة.
لقد فتح اردوغان على بلاده جبهات كثيرة ثم اصطدم بالروس . تمدد في البحر الابيضِ الى الضفة الاخرى وفي العراق والخليج والبحر الأحمر والقرن الأفريقي ، وكل خطوة من تلك الخطوات جلبت له أعداء جدداً .
الان وبعد الضربة الروسية الموجعة لقواته ماذا يستطيع ان يفعل !. مكشوف في سوريا تحت رحمة الطيران الروسي المتسيد . ومحاصر في ليبيا تحت رحمة حفتر وداعميه العرب والأوربيين. وسيتعرض في الداخل لحملة شرسة من المعارضة التي نصحته قبل أسبوع فقط بالتفاوض مع الأسد فرفض ذلك بإباء وشمم .
لن يجني اردوغان من الناتو سوى بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع . وسيجد نفسه مضطراً لمحاولة التفاهم مع الروس الذين يرسلون الان مزيدا من السفن والطائرات الى شرق المتوسط. ولم يبق من المهلة التي ضربها لإنسحاب الجيش السوري من ادلب سوى يوم واحد . وطبعا لن ينسحب الجيش السوري وانما سيتقدم الى امام اليوم او بعد حين . فهل لدى اردوغان خطة عدا الخطابات لمثل هذا الحال المتردي ؟.
( ابو زيزوم _ 799 )
2020-02-29