من تراثنا الموسيقي ..مخارق!
علي رهيف الربيعي .
5– مخارق ..
هو مخارق بن يحيى بن ناووس الجزار مولى الرشيد الذي كناه ( ابا الهنا ) كان في صباه ينادي على بيع اللحم بدكان والده ولما ظهر طيب صوته علمته مولاته المحسنه والمتقدمه في الضرب على العود عاتكة بنت شهدة الموسيقى والغناء ثم باعته لابراهيم الموصلي وهذا اهداه للفضل بن يحيى فاخذه منه الرشيد لحسن صوته واعتقه .
لقد كان مخارق يقف مع الشبان في مجلس الرشيد ولا يشارك في الغناء وغنى ذات يوم ابن جامع قصيدا مدح به الرشيد بمناسبة فتحه هرقلة .
كأن نيراننا في جنب قلعتهم ******* مصبغات على ارسان قصار
هوت هرقلة لما ان رات عجبا ******* حوائما ترتمى بالنفط والنار
فطرب الرشيد واستعاده عدة مرات ولم يلتفت لغير ابن جامع بما اغضب ابراهيم الموصلي .
ولما لاحظ مخارق ذلك غمز سيده الاول ابراهيم فخرج معه فاعلمه انه حفظ الصوت وانه مستعد لادائه بطريقة تفوق ابن جامع فرجعا للمجلس وقال ابراهيم للخليفة : يا امير المؤمنين : اراك متعجبا من هذا الصوت بغير ما يستحقه وان عبدي مخارق يغنيه ، فنظر لمخارق ، فقال نعم يا امير المؤمنين فقال : هاته ، فغناه وتحفظ فيه ، فاتى بالعجائب فطرب الرشيد حتى كاد يطير فرحا وشرب ثم التفت الى ابن جامع فاخذ هذا يحلف الايمان المغلظة انه هو صانع الصوت ولم يسمع لغيره . وبعد ذلك قص ابراهيم الحقيقة فقال الرشيد لمخارق اجلس اذن واصحابك فقد تجاوزت مرتبة من يقوم واعتقه ووصله بثلاثة آلاف دينار واقطعه ضيعه ومنزلا .
ولما سأل المامون اسحاق الموصلي عن ابراهيم بن المهدي ومخارق أجابه بان ابراهيم اذا تغنى يفضل مخارقا بعلمه واذا تغنى مخارق يفضل ابراهيم بطبعه وفضل صوته . وايده المامون في ذلك .
دخل الخليفة الواثق على امه فابطا ولما خرج نادى على غلمانه فلم يجبه احد فمشى واذا هم مشغولون بسماع مخارق فعذرهم وكان يرسل اليه جواريه للتعليم وكان ابو العتاهية يعجب به كثيرا وقال له : في احدى المناسبات بعد سماعه : يا دواء المجانين لقد رققت حتى كدت احسوك ، فلو كان الغناء طعاما لكان غناؤك ادما ، واو كان شرابا لكان ماء الحياة ، ولما حضرته الموت ، قال له رجل هل في نفسك شئ تشتهيه ؟ قال : ان يغنيني مخارق :
سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي ******** وتحدث بعدي للخليل خليل
وكان احسن معاصريه صوتا وخرج ذات يوم مع الصيادين فتغنى واذا الظباء ترجع اليه وتقف بالقرب منه مستشرفة تنظر اليه وتسمع صوته ولما انتهى عادت الى نفارها .
تعشق مخارق جارية الزبيدة زوج الرشيد تدعى ( بهار ) فحج معها من اجل الجارية حتى قال فيه احمد بن هشام :
يحج الناس من بر وتقوى ******* وحج ابى الهنا للتصابي
فلما بلغ ذلك اقصته الزبيدة ومنعته من المرور ببابها ومر ذات ليلة بقارب بدجلة وهو راجع من دار المامون ، فحاذى دار ام جعفر ، وغنى :
ان تمنعوني ممرى قرب دارهم ******** فسوف انظر من بعد الى الدار
سيما الهوى شهرت حتى عرفت بها ******** اني محب وما بالحب من عار
لا يقدرون على منعي ولو جهدوا ******** اذا مررت وتسليمي باضماري
فادخلته ام جعفر واكرمته واسمعته غناء جواريها ، ثم اندفع يغني :
اغيب عنكم بود ما يغيره ******** ناي المحل ولا صرف من الزمن
فان اعش فلعل الدهر يجمعنا ******** وان امت فقتيل الهم والحزن
قد حسن الله في عيني ما صنعت ******* حتى ارى حسنا ما ليس بالحسن
فغنت بعده ( بهار ) :
تعتل بالشغل عنا ما تلم بنا ****** والشغل للقلب ليس الشغل للبدن
فاستحسنت ام جعفر حوارهما الغنائي ووهبت له محبوبته بهار .
ومات مخارق في أول مدة المتوكل بسبب اكله قنطبنة باردة فمات لحينه .
يتبع
المصادر :
(1) تاريخ الموسيقى العربية ، هنري جورج فارمر ، ت ، جرجيس فتح الله المحامي ، منشوارات دار مكتبة الحياة بيروت .
(2) ابي الفرج الاصبهاني كتاب الاغاني .
202/02/11