الولايات المتّحدة في مواجهة إيران: مفاتيح الصّراع الدّولي (الجزء الثّاني) لماذا ايران ؟
تعريب: لينا الحسيني. بعد انتصار الثّورة الإسلامية عام 1979، اتسمت العلاقات بين واشنطن وطهران بانتكاسة وعداء كبير. اليوم، تواجه كلٌّ من الولايات المتحدة وحليفتها الأكثر أهمية في هذه المنطقة الجغرافية “إسرائيل” سياقًا إقليميًا غير مؤاتٍ لطموحاتها السّياسية والاقتصاديّة والعسكريّة، ممّا يحدّ من نفوذها. على المستوى الجيوسياسي، إيران لاعب رئيسي في الشرق الأوسط، ولديها علاقات قوية مع روسيا وكانت مدعومة من أوروبا بعد انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاقية النووية مع الأمة الفارسية. من ناحية أخرى، فإن العلاقات المزدهرة بين العراق وإيران، وخاصة بعد دعم طهران العسكري للجيش العراقي ووحدات الحشد الشعبي التي تواجه داعش، لا ترضي واشنطن ولا تل أبيب. وبهذه الطريقة، يمثل الاغتيال الانتقائي لقاسم سليماني تموضعًا جديداً للقوة الإمبريالية، ومحاولة يائسة “لاستعادة الأرض” في المنطقة الاستراتيجية ورسالة من أجل “احتواء إيران” ومنع تقدم حزب الله. لا يمكن تجاهل نقاط القوّة في إيران: احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، والسيطرة على النقاط الجغرافية ذات الأهمية الكبرى في التجارة العالمية. تحتل إيران المرتبة الرّابعة من احتياطي النفط وهي في المرتبة الأولى من احتياطي الغاز عالمبّا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة الفارسية هي ثاني الدول المصدرة للنفط ، بعد المملكة العربية السعودية. وتشارك مع قطر أكبر حقل للغاز في العالم. في الآونة الأخيرة، أعلنت الحكومة الإيرانية اكتشاف احتياطات نفطيّة جديدة، ذات أهمية كبيرة في المنطقة، وهذه الموارد تثير الشهية الامبريالية. البعد الجيوسياسي لإيران، لا يقلّ أهميّة عمّا تملكه من احتياطات نفطيّة، بحيث تُعدُّ إيران مركز اتصالٍ مهم بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا. فهي على مقربة من الطّرق التّجارية الدّولية مثل مضيق هرمز – حيث يمر حوالي 20 ٪ من نفط العالم وحوالي 35 ٪ يتم تسويقه عن طريق البحر – وقناة السويس والخليج الفارسي وخليج عمان، وغيرها… في المسائل التجارية تُعد طهران جهة فاعلة مهمة في المشروع الصيني لطريق الحرير الجديد ذي الأهمية الأساسية لبكين، لكن ذلك من شأنه أن يخلق تغييرات جيوسياسية مهمة، إذا أنهى الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة من خلال التجارة بالعملات الوطنية وليس بالدولار. ستتمكّن الصّين ودول آسيا الوسطى من الوصول إلى الخليج الفارسي عبر السّكك الحديدية الإيرانية. وبهذا المعنى، استغرقت رحلة القطار في عام 2016 محمّلة بـ 32 حاوية من المنتجات التجارية 14 يومًا من مقاطعة تشكيانغ السّاحلية (شرق الصين) إلى طهران، عبر كازاخستان وتركمانستان. هذا المسار مشابه ومتوافق فيما يتعلق بالنقل البحري، والذي يستغرق عادة ما بين 25 و30 يومًا إلى ميناء بندر عباس الإيراني وسبعة أيام أخرى إلى طهران، بينما وصل بالسكك الحديدية خلال 14 يومًا وبتكلفة نقل أقل. لذلك، فإن الهجوم الأمريكي على إيران يمثل ضربة أيضًا للمشروع الصيني الضخم وبنيته التّحتية، وقد أطلقت واشنطن بالفعل حربًا تجاريّة وضريبيّة ضد العملاق الآسيوي، سعيًا للهيمنة الاقتصادية العالمية. كل هذه العوامل، إلى جانب فقدان نفوذ إدارة ترامب في الشرق الأوسط بعد قرار إجلاء جميع القوات تقريبًا إلى بلادهم من سوريا، قبيل عملية ينبوع السلام (العمل العسكري الذي بدأته تركيا في 9 تشرين الأول 2019 في شمال سوريا)، باستثناء تلك القوات المتمركزة بالقرب من حقول النفط، تؤكد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية غيّرت تكتيكاتها في مسعىً لاستعادة نفوذها. المصدر: صحيفة غرانما الكوبيّة #Granma