– استراتيجية افتعال حرائق الغابات هل هي واقع يغض الطرف عنه؟
بقلم بكر السباتين
حرائق الغابات في سيبيريا والأمازون وقبل ذلك في كالفورنيا تستنطق عقولكم وضمائركم فكفوا عن تجاهل السؤال المريب. إن رئتي أرضنا المغبونة تتعرضان للانسداد في الشرايين! فشراهة رأس المال في حرق طبقة الأوزون تجلب الكوارث وتنذر بالخراب!! شيء من هذا القبيل يمكن اسقاطه على كارثتي غابات سيبيريا والبرازيل. فالحرائق الضخمة في غابات سيبيريا والأمازون تنذران بالخطر الشديد على ثقب الأوزون وبالتالي ستسهمان في استفحال ظاهرة الاحتباس الحراري التي أحدثت خللاً بيئياً في الأرض ويتهم فيها الإنسان وفق كل التقديرات الفنية والقانونية. فحرائق سيبيريا التهمت ثلاثة ملايين هكتار من غابات سيبيريا الروسية بداية يوليو 2019 حيث ذكرت الوكالة الفيدرالية للغابات في روسيا أن سبب الحرائق هو العواصف البرقية الجافة في درجات حرارة تفوق 86 فهرنهايت (30 درجة مئوية)، والتي انتشرت بفعل الرياح القوية. أما كارثة حرائق غابات الأمازون في البرازيل، فقد بلغ حد الدمار الذي سببته إلى أن ترصد من الفضاء الخارجي، وقد أدخل الدخان الأسود مدينة ساو باولو ومدناً أخرى في ظلام. ودرجت العادة أن يكون الظنين الأهم في قضايا إشعال حرائق الغابات منحصراً في “الاحتباس الحراري” والذي هو من صنع الإنسان نفسه مع سبق الإصرار والترصد؛ إلاّ أن التحقيقات على مستوى العالم كانت تأخذنا إلى متهم آخر أشد خطورة، ويتمثل بالإهمال، فالأنشطة البشرية لا تأبه بقيمة المساحات الخضراء التي تغطي أرضنا والمهددة بالدمار. فهل يعني ذلك بأن الإنسان اختار لنفسه هذه الطريقة الكارثية للانتحار الجماعي! أم أن ثمة عطب أصاب عقله المتلهف وراء مصالحه الخاصة على حساب البيئة التي يهددها اتساع ثقب الأوزون المهمل على صعيد دول العالم خلافاً لقوانين البيئة الأممية ولوائحها الإرشادية التي تفرض على الجميع استخدام أنظمة السلامة! ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تعتبر الأنشطة البشرية مسؤولة عن 80% من الحرائق التي تندلع في الغابات. أما عن الحرائق المتعمدة، فقد يلجأ إليها البعض لأغراض شخصية أو حتى سياسية غير آبهين بخسارة مساحات خضراء واسعة كما قيل عن الحرائق التي التهمت غابات كالفورنيا وفق بيان حكومي صدر عام 2018 على خلفية حرائق كالفورنيا. أسباب اشتعال الحرائق كثيرة ومعظمها يقف الإنسان وراءها سواء كان الاحتباس الحراري أو الإهمال أو حتى تنفيذ استراتيجية افتعال الحرائق للاستثمار الوحشي في العقارات أو الافتعال الانتقامي لو جاز التعبير. وفي الظروف الطبيعية فيمكن أن تكون الصواعق والانفجارات البركانية من أسباب حدوث الحرائق في الغابات وخاصة أن الغابات عادة ما تكون مهيأة في فصل الصيف لذلك.. مع توفر الثلاث عناصر الطبيعية التي تسمى «مثلث النار» وهي: الحرارة، الوقود، والأوكسجين. ومع وجود هذه العناصر الطبيعية الثلاث بوفرة في الغابة، فكل ما سيتبقى لدينا لحدوث الحريق هو «الشرارة» فقط. وفي سياق ذلك سنأتي إلى الحدث الأبرز الذي يشغل العالم والمتمثل بحريق غابات الأمازون حيث يقول بعض الخبراء بأن الحريق يرجع إلى تغير اتجاه الرياح بسبب تعرض الأمازون لموجة برد وصقيع عملت على تصادم الرياح مع دخان حريق صغير في إحدى الغابات البرية ما أدى إلى تشكيل نيران أشعلت معظم أجزاء غابات الأمازون.. ولو تتبعنا سياق هذا التعليل سيطرق السؤال رأسك فيمن يكون مفتعل الحريق الصغير الذي أطعم الهشيم للنيران! وكان الرئيس البرازيلي قد اتهم المنظمات الأهلية بافتعال هذا الحريق عمداً، وذلك للإضرار بصورة حكومته بعدما قرر تخفيض تمويل تلك المنظمات.. وذلك رداً على اتهام تلك المنظمات غير الحكومية للرئيس البرازيلي جايير بولسونارو في أنه افتعل الحريق لفتح باب الاستثمار في تلك الغابات التي تغطي مساحات شاسعة من البرازيل. وهذا يذكرنا بحرائق كلفورنيا الأخيرة حيث أعلنت السلطات الأمريكية حينها، أنّ الحرائق التي أتت في نوفمبر 2018على آلاف المنازل في ماليبو وشمال ولاية كاليفورنيا، وأوقعت 88 قتيلاً، تسبّبت بخسائر مادية تقدّر كلفتها بتسعة مليارات دولار على الأقلّ. حيث أتت هذه الحرائق على ما مجموعه 100 ألف هكتار من المساحات الخضراء والمناطق الحضرية. وقد عزى الخبراء الأسباب إلى ظاهرة الاحتباس الحراري فيما ذهب كثيرون إلى أبعد من ذلك باتهام متنفذين في البلاد بتنفيذ استراتيجية الحرائق المفتعلة لامتلاك الأراضي ذات الأسعار العالية في تلك البلاد بأثمان زهيدة وبالتالي استثمارها عقارياً. ويبقى السؤال حاضراً: فهل هناك استراتيجية حقيقية لافتعال الحرائق كنوع من جذب الاستثمار الوحشي في قطاع العقارات التي تقش الأرض فلا تبقي من بيئتها الطبيعية أخضراً ولا تذر. حتى لو كانت ظاهرة الاحتباس الحراري هي المتسببة بحرائق الغابات فالإنسان هو المتهم الأخطر في هذه الكوارث. ويبقى أنين الأرض مغيباً عن المشهد وجرحه الأوزوني يتوسع وينذر بالهاوية في ظل تغول الرأسمالية.. فإلى متى أيها الإنسان تعربد ثملاً أعمى في مصير الأرض التي تمثل حاضنة وجودك.. ومستقبل أبنائك.. عجبي.. 22 أوغسطس 2019