عن الجيش العراقي !
تحسين المنذري
مع كل تحرك لجيش ما وعربي خصوصا في حسم قضية شائكة أو نصرة للشعب ـ كما حصل في مصر وما يحصل الان في الجزائر ـ يراود الكثير منا حلم تدخل الجيش العراقي لحسم الوضع المزري الذي نعيشه منذ عقود طويلة معبرين بذلك عن يأسنا من الوضع اولا ومن القوى المؤهلة أو المعول عليها في تغيير الامور نحو الاحسن، ومع مشروعية هذا الحلم ( غير الدستوري) لكنه يصطدم بواقع عدم تحققه حتى في اقسى الفترات التي مرت على الوطن فلماذا؟
بالرغم من وجود بعض المعايير غير الصحيحة في قبول طلبة الكلية العسكرية في فترة العهد الملكي إلا إن عقيدة الجيش كانت آنذاك عقيدة وطنية إستطاعت أن تنشيئ جيلا من الضباط أخذ على عاتقه تحرير الوطن من العهود والمواثيق المذلة والانتقال بالحالة العامة للبلد الى مزيد من الاستقلال الوطني والتحرر نحو آفاق مستقبلية أفضل. وإستمرت هذه العقيدة حتى إنقلاب شباط الاسود حيث إنحرفت عقيدة الجيش الى عقيدة قومية عروبية تستهدف الوطن العربي قبل الوطن العراقي، وفي ذات الوقت إزدادت شدة التمايزات والمعايير غير الانسانية بقبول المتطوعين في الكلية وإزدادت حدة التمايزات تلك مع عودة البعث الى السلطة العراقية عام 1968 ليضع معيار الولاء الحزبي ـ المناطقي كشرط أساسي للقبول في الكلية العسكرية ومن ثم التدرج في الرتب العسكرية، حتى غدا القبول في كلية الاركان يقتصر فقط على من نال عضوية البعث دون غيره كشرط أساسي بالاضافة الى شروط ومعايير اخرى لكنها في الاخر حطت من قيم العسكرية المهنية ومن كفاءة الضباط المتخرجين . وشيئا فشيئا بات الجيش العراقي يخلو من ذوي الكفاءة والمهنية المعهودة نتيجة للتقدم في العمر والاحالة على التقاعد أو بالنقل الى خارج المؤسسة العسكرية او بالبقاء فيها لكن بمواقع غير مؤثرة وليست ذات بال، وأوغل البعث في إهانة المؤسسة العسكرية بمنح الرتب جزافا: لشخص لم يعرف من قيم العسكرية شيئا ولم يخدم حتى كجندي مكلف ليصبح بأعلى رتبة وقائدا عاما للقوات المسلحة ، والمجيئ بعريف إسمه علي حسن المجيد ليمنح رتبة فريق أول ركن!! أو بنائب عريف سائق دراجة إسمه حسين كامل ليصبح وزيرا للدفاع برتبة فريق أول ركن أيضا!! وهكذا أصبح الامي عزت الدوري نائبا للقائد العام للقوات المسلحة برتبة فريق أول ركن أيضا!! ورغم كل هذه الاهانات للقيم العسكرية لم يحرك أحد من ضباط الجيش أنملة في رفض ما يجري بل وقبلوا جميعا بترديد كلمة سيدي لاي من هؤلاء الطارئين.
بعد عام 2003 وحل كل المؤسسة العسكرية ومن ثم أعادة بنائها لكن على عقيدة غير وطنية بالمرة بل قامت على أساس الولاءات الدنيا ( قومية ، طائفية ، حزبية، مناطقية ، وحتى عشائرية) وايضا فقد صار ضابطا غير ركن رئيسا لاركان الجيش وهو لم يعرف معنى أن يحمل الضابط شارة الركن !!! وقَـبِل الجميع بذلك . والان فإن ضباط الجيش يتكونون من فئتين الاولى ولحد رتبة عقيد ( عدا ضباط الدمج سلام الله عليهم) هم من المتخرجين من الكلية العسكرية بعد 2003 ومن رتبة عميد فما فوق ( عدا الدمج أيضا) هم من بقايا النظام المقبور ممن أعيدوا للخدمة وفق نفس المعايير والعقيدة في الولاءلات الادنى ، فهل هناك أمل بخليط غير متجانس وغير وطني بالمرة ولم يبق لديه شيئ من الغيرة العسكرية المهنية أن يقوم بأي حركة تغييرية؟ بل إنهم إرتضوا أن يؤدوا التحية العسكرية لمن هم لم يتعرفوا على قيم الجيش ومعاييره ومهنيته سواءا في زمن النظام المباد أو بعده .
لكن أمل التغيير يبقى قائما بالاعتماد على الشعب والذي يفترض وجود قوى تعبر عنه بحق أو الاصح عن الطبقات والشرائح ذات المصلحة الحقيقية في التغيير وتعرف كيف تصوغ أهدافه بشعارات صريحة ، صحيحة ، معبرة ومقبولة كي يلتف حولها لتتشكل قوة مؤثرة وطاردة لكل أسباب التخلف
2019-08-18