عن الدولة العميقة …
تحسين المنذري
أشاعت المسلسلات المدبلجة التركية مفهوم الدولة العميقة في السنوات الاخيرة والتي يقال إن أول من أتى به هو السلطان سليم الثاني بتشكيله محموعة سرية تقوم بالاغتيالات والتصفيات بطرق مختلفة وحسب رغبة السلطان نفسه والتي شكلها على إثر محاولة إغتيال فاشلة فاراد الانتقام من خصومه بهذه الفرية والتي أسماها هو بالدولة العميقة، وهذا يؤشر الى إن هذا المفهوم إنبثق عن عمل في الاقل نقول عنه لا إنساني، ولأن مفهوم الدولة العميقة هو غير متخصص أو غير معرفي فقد أُطلق على توصيفات شتى فمثلا في مصر قالوا عن الجيش إنه الدولة العميقة وفي ألولايات المتحدة يقولون عن اللوبيات والكارتلات إنها الدولة العميقة وهكذا يظهر إنه مفهوم فضفاض لا يؤشر لحالة بعينها بقدر ما يعطي إنطباع لعمل ما أو مجموعة أعمال غير قانونية أو ضغوطات لدعم مصلحة ما أوما شابه ذلك .
وفي العراق تردد هذا المفهوم مؤخرا على لسان بعض الساسة حينما واجهت الدولة لاول مرة مهمة تغيير ذوي الدرجات الخاصة الذين تربع بعضهم على كراسيهم منذ عقد ونصف دون مؤهلات قانونية او إستيفاء للشروط المطلوبة فوجدت الدولة نفسها أمام مهمة عسيرة ينبغي الوقوف أمامها بكل جدية ، والحقيقة فإن إطلاق هذا المفهوم ( الدولة العميقة ) على ذوي الدرجات الخاصة يؤشر لمسائل خطيرة منها إعلان عجر من يتبنى هذا المفهوم أو هو إشاعة لروح اليأس بين الناس أو هو عملية تسطيح لأس المشكلة، فعقد ونصف من الفساد والافساد برعاية نظام المحاصصة المقيت الذي فرضه المحتل واستفادت منه أحزاب وشخصيات بنت لنفسها كيانات إقتصادية متخصصة مدعومة من قبل ميليشيات مسلحة غير نظامية أدت الى تسلط شرائح طبقية معينة على مقاليد البلد كي ترعى نموها وإستمرارها في التسلط على رقاب الناس المسحوقين، تدخل هذه المكونات الطبقية الناشئة في احيان معينة بصراعات مصالح ونفوذ فيما بينها لكن سرعان ما تتحد في مواجهة أخطار إحتمال إزالتها أو التقليل من نفوذها وعلى هذا الكثير من الشواهد لعل أبرزها هو تقاسم المناصب السلطوية ( تنفيذية وتشريعية) أي إن وجود ذوي الدرجات الخاصة بمواقعهم مرتبط بهذا التشكيلات الطبقية الناشئة وبصراعاتها ونفوذها.
ولعل هذا التفسير يساعد على تأشير أماكن القوى الطبقية الجديدة وفي نفس الوقت يرسم طريق النضال الاشد والانجح في مواجهة هؤلاء الفاسدين وبالتأكيد فإن هذا التفسير هو لمن يريد أن يقدم عملا يخدم به شعبه ووطنه ويرسم طريقا جديدا للتقدم .
2019-08-05