إن من أبشع الموروثات فى حياتنا اليوميه فى مصرالقاعدة الأزليه التى تقول ” الحسنه تخص والسيئه تعم ” تلك القاعده التى أساءت كثيرا سواء لمن يطبقها أو من تطبق عليه ولكن فى المقابل نراها تلقى رواجا شعبيا عبر ترديدها وتطبيقها وكأنها من المسلمات التى لا يجوز الخروج عنها وهى تشبه التجربه النفسيه الشهيرة المسماه ” بالقرود الخمسه ” والتى تتمحور حول الإتيان بخمسه قرود فى كامل صحتها ووضعها فى قفص كبير مغلق معلق فى سقفه حزمه من الموز وضع تحتها سلم وبمجرد أن يحاول القرد الأول أن يتسلق السلم لنيل الموز تطلق عليه دفقات من الماء البارد القوى لحد الألم ليس عليه فقط بل على الأربعه الآخريين ومع تكرار المحاوله من القردة الآخرين الواحد تلو الأخر تنهمر المياه الباردة القويه المؤلمه لتمنعهم جميعا عن الفوز بالموز حتى تأتى اللحظه التى يقرر فيها القردة أن محاولة أى قرد فيهم التسلق ستكون بمثابة عقاب جماعى لهذا فكان إذا ما قرر أحد القردة تسلق السلم كان القردة الآخرين يقومون بمنعه بالقوة خوفا من العقاب الجماعى وهكذا إستكانت القردة فى أرضية القفص وماتت عندها روح المغامرة ، وبعد ذلك تم سحب أحد القرده بقرد آخر لم يمر بالتجربه فإذا به يستكين ويجلس ولا يتحرك مع سكون القردة الآخرين فى القفص وبإستبدال القردة الآخرين الواحد تلو الآخر وجد أن القردة الجديدة التى لم تمر بالتجربه إطلاقا ظلت ساكنه ولم تتحرك وهكذا ببساطه يتم ترويض العقل الجمعى للقرده والتحكم فى سلوكها عبر تعميم فكرة أن السيئه هى عقاب جماعى لمن يخرج عن الإجماع أو القواعد التى وضعت داخل إطار قفص القرود . ولكن أين الحسنه فى تجربة القرود الخمسه ؟ الحسنه هى الموز المعلق فى سقف القفص يتمناها قرود تخاف العقاب ولا تجرؤ على تسلق السلم وتنتظر أن يدنيها صاحب القفص إلى أفواهها أو أن يسمح لقرد منهم أن يتسلق لكونه مطيع وبيسمع الكلام حتى ما أن يخالف القواعد حتى يتم عقاب الجميع ، وللأسف تشابه حالة القرود الخمسه مع بيئة العمل فى مصر يثير كثير من التساؤلات المحيره التى تصب كلها فى إتجاه واحد وهو لماذا إذا أخطأ أحد الموظفين أو العمال يتم العقاب الجماعى ؟ وحين يتم إنجاز معين يتم تمييز رأس العمل فقط وكأنه قد قام بالعمل بمفرده ؟! وهو ما أدى فى نهاية المطاف إلى قتل الإبداع والخوف من الإقتراب من مناطق بعينها فى بيئة العمل إلى الحد الذى إذا ما تجرأ أحد العمال والموظفين وحاول أن يخالف القواعد الموروثه المستقاة من فكرة العقاب الجماعى نجد زملاؤه فى العمل يحاولون إعاقة حركته بل يصل الأمر إلى إستباق الفكرة الإبداعية ومحاولة وأدها عند الإدارة وهو ما يؤسس لسلوك جديد ناجم عن العقاب الجماعى وهو بروز الموظف المثالى الذى ترضى عنه الإدارة الذى يحافظ على اليافطه المعلقه على باب الإدارة المكتوبه بالنيون ” الحسنه تخص والسيئه تعم ” والذى يذكر بها العاملين كل يوم حتى يحافظ على إلتصاق الموظفين بكراسى المكاتب ويؤجل الإبداع لزمن آخر لأجيال تستطيع كسر تلك اليافطه وتحرر القرده من القفص . مصر تحتاج إلى نسف قواعد إداريه وثقافيه ترسخت منذ عقود طويله حتى تستطيع أن تصل إلى المستقبل على يد المبدعين من أبناءها .