مشاركات الأقليم … و تحديات السلام الإستراتيجي !
فاديا مطر
_ مع إقتراب نهايات المهلة الإيرانية الممنوحة للدول الأوروبية لتطبيق إلتزاماتها في الإتفاق النووي ، تتسارع الخطوات السياسية الدولية لتدارك الوقت الذي أعلنت الخارجية الإيرانية عدم تمديده نهائياً ، فغياب ترتيبات المنطقة حتى الآن تنبئ بتصعيد مقلق بالرغم من الإشارات المطمئنة التي أرسلتها واشنطن لموسكو على منصة قمة العشرين المرتقبة آواخر الشهر الجاري ، والتي تتضمن في اللقاءات على هامشها ربما صياغات للملف النووي الإيراني على وقع أحداث غيرت وجه منطقة الخليج و أوضحت الفشل الأمريكي الإستراتيجي في ملفات المنطقة ، والتي زارها القلق الأوروبي كما هو القلق الخليجي خصوصاً بعد التفريط الأمريكي في إعتبارات الحلفاء والتي جاءت بعنواين متراكمة تهدف الى خنق إيران و التهديد بالرد في حال إستهداف مصالحها أو مصالح حلفاؤها ، إلا أن الرهان الأخير غيرت معادلته تطور قدرة الجيش اليمني و أنصار الله في إستهداف العمق الحيوي السعودي و الإمارتي من مطارات و خطوط ينبع و ليس آخره محطات المياه التي يجب أن تكون القدرات العسكرية الأمريكية التي كلفت مبالع طائلة قادرة على حمايتها من الصواريخ و الطائرات المسيرة ، إلا أن الفشل الإستراتيجي الأمريكي كان الأسبق لتجلي الموقف ، و هو تطور نوعي يصبغ القدرة الأمريكية العسكرية بخسارة الهيبة والقدرة ، والذي زادت عليه الدفاعات الجوية الأيرانية تراكماً إسقاط طائرة التجسس الأمريكية في مياه هرمزغان و سقوطها في وادي مبارك في الأراضي الأيرانية ، والتي تلتها تصريحات إيرانية عن كشف إقلاعها من قاعدة أمريكية خليجية وقد أغلقت أجهزة التتبع فيها ، فهذا تطور زاد من حدة المشهد العسكري المضاف الى أحداث ميناء الفجيرة و خليج عمان الذي سارعت واشنطن إتهام طهران بالضلوع فيه مسبقاً دون أي أدلة واضحة ، فالنبرة التي تسود المنطقة باتت أقرب الى مناخ إقليمي متوتر يحتاج على الأقل لسلام إستراتيجي تبريدي لحلفاء واشنطن وخصوصاً الكيان الصهيوني ، و الذي فشل بحشد دولي لتعبئة العداء ضد طهران و أنصار الله و المقاومة اللبنانية ، وهو ما أوضح أن القمم الثلاثية التي فرضت بمكة أصبحت قيمة وهمية على المستوى الدولي و الإقليمي ، و فرص الدولية السياسية كانت أقرب لطهران في مشهد التقاطر و طرح الحوافز و المغريات..
_ فأين مشهد العزلة الدولية التي راهنت عليه واشنطن ؟ و هل فقدان مفاعيله سيعزز فرضيةالحرب التي تخافها واشنطن ؟ فجبهة المواجهة المعادية لم تغير شيئ من واقع التقدم العسكري اليمني في وقف إستهداف العمق السعودي والإماراتي ، و لا هو أيضاً غير من واقع تقدم الجيش السوري على جبهات ريف حماه و ادلب ، و لا غير من معادلة التوازن التي كرستها المقاومة اللبنانية في وجه العدو الصهيوني ، ولا هو غير بالأهم من قيمة التواجد الروسي في المنطقة ، والطريق الى تفاوض لمعاهدة عدم إعتداء من قبل حلفاء واشنطن مع طهران و الجيش اليمني هو أقرب مشهد بعد قمة العشرين ، وهو بحث جاري لسلام إستراتيجي في المنطقة يهم الخليجيين أولاً ، و طريق لابد لواشنطن من وضعه على الطاولات السياسية ضماناً على الأقل لأمن الكيان الصهيوني ، وهو بذات الوقت يقف على بابين أولهما ليبقى التموضع الأمريكي بالخليج وراء الخليجيين كحل فرض ، و الثاني تسديد الفواتير السياسية و المالية في صفقة القرن و معادلات السيطرة في المنطقة التي تحتاجها الولايات المتحدة أصلاً ، فالدعوة الروسية لعدم إستعمال حادثة خليج عمان لتأجيج التوتر مع طهران هي إشارات واضحة لواشنطن للدلالة على نمط التعامل القادم لتفادي تبخر السلام الأستراتيجي ، و تحذيرات قائد القوة الدفاعية الجوية العميد ” علي رضا صباحي ” من أن الخطأ الأول هو الأخير في إفتعال أي مواجهة مع إيران كانت إشارة واضحة ثانية لأستبيان واشنطن لخطواتها التي ترسلها برسائلها ، والتي لم يتقبلها الرئيس روحاني في زيارة رئيس الحكومة اليابانية ” شينزو آبي ” الى طهران ، فالرسائل التي بعثت بها واشنطن في حوادث خليج عمان ، والتي أعلنت الخارجية الإيرانية قلقها الشديد منها في حساسية توقيتها و وصفها ” بالفعل المريب ” ، هي رسائل تغاير القلق الخليجي و لا تقيم إعتبار لأمن الحلفاء ، و تهدد السوق العالمية للطاقة بإهتزازات كبيرة ، وهو بباطنه ذروة تصعيدية تبحث واشنطن من خلالها عن نزول من الذروة الى التهدئة خوفاً من أي مواجهة ترمي بواشنطن خارج حدود القدرة على تحملها و حماية حلفاؤها ، و تقي واشنطن و حلفائها مشهد الفشل الإستراتيجي الذي عجزت أيضاً إدارة ترامب عن إخفائه في تقييد موقع إيران الأقليمي والدولي ، و فقدان القدرة على منع إيران من التحكم بسوق النفط و أمن الخليج بالعبور المائي ، وهو كسب جديد لإيران في معادلات الوقوف في الصف العالمي ، فالبحث عن سلام إستراتيجي بات مطلباً أمريكياً بإمتياز ، و أصبح البحث عن حلول تفاوضية تهديئية مع بدء حملة ترامب الإنتخابية والترنح السياسي الذي تعيشه هذه الإدراة في الداخل السياسي و الشعبي ، أصبح من المسلتزمات ، فحتى على المستوى السوري ، و فرض الأقنية السياسية لتكون المتحكم بالمرحلة القادمة أصبح أيصاً من الضرورات الأمريكية ، فالحرب على سوريا و التوتر مع طهران و خسارة القطبية الأحادية و التنافر مع تركيا في كل الملفات و الحرب على اليمن و الفشل مع كوريا الشمالية نووياً و الصين تجارياً ، هي مكرسات للفشل الإستراتيجي الأمريكي و لسياسته في المنطقة ، وهي ملزمات تلزم واشنطن البحث عن سلام إستراتيجي يقف عند مستويات لا تريد فيها واشنطن و حلفاؤها دفع أثمان لا يقدرون عليها ، و هو ما يتطلب مسعى روسي من الوجهة الأمريكية ، تسعى له واشنطن في مرحلة مقبلة تبريداً للملفات الخلافية ، و تكريس للحلحلة في إسلوب التهدئة السياسية عله يجلب بعض المتطلبات المطلبية التي تحتاجها واشنطن في صياغة تفاهماتها مع حلفائها في شكل يفتح مداخل تقلل من حدة الأرتباك التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية و الأوروبيون في تأزمات الأقليم الذي بات يتطلب أمريكياً ” سلام إستراتيجي ” ، و لو حتى سطر هذا السلام موازين القوة التي وصلت الى هذه المرحلة في شكلها الحالي ، بدلاً من فقدان الجبهة الخليجية التي رسمت توازنات المنطقة حتى اللحظة بقلم الخسارة التي تزيد الخسارة ، فمعادلة رابح _ خاسر فقدتها واشنطن ، فهل تكون معادلةرابح _ رابح هي الصيغة النهائية لمرحلة مابعد ؟ هي ما يمكن أن ترسمه الشهور القادمة في معادلات ” حافة السقوط ” التي ترجح إحدى كفتي ميزان الخيارات التي تفصل بين السلم و الحرب..!
2019-06-23