لبنان بين التهديدات الداخلية والخارجية: ملاحظات شخصية
د. سعد ناجي جواد
من يزور بيروت الجميلة يجدها كعادتها تعيش سعيدة بكل متناقضاتها. فعندما يهطل المطر بغزارة وتملأ السيول احواض الأنهار التي كانت تشكو من شحة ما موجود فيها، يفرح اللبنانيون ولكنهم يتساءلون هل ستستطيع الإدارات المتلكئة، وفِي بعض الأحيان الفاسدة، ان تستفيد من هذه النعمة وتحولها الى خيرات تفيد الناس. وعندما يهدد رئيس الجمهورية بانه لن يصادق على اي قرار من قرارات الحكومة اذا لم تشتمل هذه القرارات على خطة لتحسين المنظومة الكهربائية، يُسعَد الناس، ولكنهم يتسألون هل بامكانه ان يفعل شيئا حقيقيا في هذا المجال في ظل الفساد المستشري. ولماذا يسكت عن قرارات تمس حياة شريحة واسعة من المجتمع، وهم المتقاعدون وخاصة من الجيش والمعلمين، والمتمثلة باقتراح استقطاع جزءا مهما من رواتبهم مما حدا بهم الى الخروج في تظاهرات نتج عنها إغلاق العديد من الطرق الرئيسة. في نفس الوقت تحدث الكثير من المحللين الاقتصاديين اللبنانيين، المعترضين على هذه الاستقطاعات، عن الرواتب الكبيرة التي يتقاضاها البعض، والاهم الهدر الكبير في الإنفاق الحكومي والتبذير لموارد الدولة، الذي اذا ما عولج بصورة صحيحة فانه يمكن ان يغطي بل ويفيض على ما ستوفره الخزانة من هذه الاستقطاعات التي تمس حياة شرائح تعيش على الكفاف في المجتمع. كما ان غالبية الناس لم تجد لحد الان نتائج ملموسة للحملة على محاربة الفساد. وهكذا تبقى المشاكل الاقتصادية محور حديث الناس، لا سيما وان الموسم السياحي القادم لا يبشر بخير بسبب اصرار العديد من الدول على منع رعاياها من الذهاب الى لبنان بسبب ما يسمونه عدم استقرار الوضع الأمني. وهذا ما يحتم على كل زائر الى التفكير بالشق السياسي للمشكلة وهو بالتأكيد الاخطر. ابتداءا لابد من القول ان لبنان يعيش حالة من الاستقرار الأمني التي وبدون اية مبالغة، تحسده عليها الكثير من دول المنطقة. وربما هذه الحالة هي التي تقلق من يريد شرا بلبنان وبالذات وعلى وجه الخصوص اسرائيل ومن ثم الولايات المتحدة. ولهذا لم يكن من المستغرب ان تأتي التهديدات من الرئيس الامريكي اولا ثم من وزير خارجيته ثم وباستمرار من رئيس وزراء اسرائيل المنتشي بفوزه بالانتخابات وبالدعم الامريكي والتاييد شبه العلني له من قبل بعض الاطراف العربية وأخيرا، وبصورة غير مفهومة او مبررة من روسيا.
في لبنان اليوم لا يريد احد ان يتحدث عن تصعيد عسكري مع اسرائيل، باستثناء اسرائيل نفسها، هناك من اخبرني، وهم أشخاص موثوقون، بان من تحدث عن حرب أكيدة مع اسرائيل اذا ما اقدمت الولايات المتحدة على فرض حضر شامل على تصدير النفط الايراني، قد تمت (معاقبته حزبيا) من قبل قيادة حزب الله، في حين ان الحزب كان في السابق لا يابه لمثل هذه اللهجة. كما ان هناك من يتحدث عن ان الطرفين، المقاومة واسرائيل، يحاولان تجنب مواجهة مسلحة جديدة سوف لن تكون محدودة مهما حرصت الاطراف، وخاصة اسرائيل على ذلك، وان ما سيتعرض له لبنان من تدمير سيكون كبيرا، ولكنه بالتأكيد لن يقاس بما ستواجهه الاراضي المحتلة من قصف يومي شديد وكثيف و غير مسبوق. وهذه الحقيقة هي ما تشكل رادعا وخاصة للطرف الاسرائيلي. لهذا تحاول اسرائيل ان تسرب اخبار مفادها انها تخطط لما يمكن ان يُحدِث شرخا في قوة وصمود المقاومة قبل ان تُقْدِم على اي عدوان جديد او على مغامرة جديدة غير محسوبة. وهذا امر صعب المنال. حتى وان كان ما تسرب من اخبار عن إمكانية نجاح لعمليات مدبرة لاغتيال لقيادات في المقاومة فان نتائج ذلك، مع ما قد تحدثه من ضربة معنوية، ستكون لها مردودات عكسية قد تندم عليها اسرائيل ولكن بعد فوات الاوان.
مع كل ما ذكر فان الحقيقة تبقى تقول ان الأوضاع في المنطقة، وخاصة في لبنان وغزة، لا يمكن ان يُتَنَبأ بها، وتبقى تنذر بمغامرة إسرائيلية -أمريكية جديدة في اية لحظة من اللحظات، مغامرة يظن فيها الطرفان، وخاصة اسرائيل بانها ستتمكن من القضاء على حزب الله والنفوذ الايراني في لبنان او القضاء على المقاومة الفلسطينية، وهذه الامور، وخاصة فيما يتعلق بمكانة المقاومة ( اللبنانية والفلسطينية) تبقى صعبة المنال إن لم تكن اصبحت من الامور شبه المستحيلة
2019-04-30