عن تعارض القيم الاشتراكية والاسلام ( القسم الأول )
علي رهيف الربيعي
إن من الأمور المؤسفة أن يتصور كثير من المسلمين المتحمسين أن الطريق الاشتراكي في التصنيع متعارض مع الدين ، وبذلك يعملون عن وعي أو بغير وعي على دعم الاتجاه الرأسمالي ، حتى بعد كل ما اثبتته تجارب البلاد الرأسمالية من اخطاء .
صحيح أن الحجة التي تقال في هذا الصدد هي أننا لا نريد مبادئ مستوردة سواء أكانت اشتراكية أم رأسمالية ، وكل ما نريده هو الاخذ بالنظام الاسلامي الاصيل . ولكن هذه الحجة ، التي تبدو في ظاهرها مقنعة ، تنتهي آخر الأمر إلى اختيار بين المذهبين العصريين : إذ أن يتحدد اتجاه كل مفكر في التفسير بالمؤثرات العصرية التي اسهمت في تكوين نظرته العامة إلى الأمور ، بحيث يميل ذلك الذي تأثر أصلا بالأفكار الاشتراكية إلى الاخذ بالتفسير الاشتراكي ، والعكس بالعكس . وفضلا عن ذلك فإن المواقف التي نواجهها في عالمنا المعاصر تبلغ من التعقيد حدا يكاد يستحيل معه الاهداء إلى كل الاجابات التفصيلية في النصوص الدينية ، ومن هنا كان من الضروري الاستعانة بالتجارب الحديثة التي مرت بها أمم أخرى من أجل سد هذه الثغرات ، وفي كلتا الحالتين لا يكون هناك مفر من الرجوع آخر الأمر إلى الايديولوجيات الكبرى المعاصرة ، بحيث يؤدي العداء للاشتراكية على نحو آلي إلى خدمة الرأسمالية .
ولما كان المجال الذي تقتصر عليه هذه المقالة هو مجال القيم ، فلا بد لنا من التعرض لموضوع العلاقة بين القيم الاسلامية ونظام القيم الذي تدعو إليه كل من الرأسمالية والاشتراكية ، حتى يتبين لنا مدى خطأ الموقف الذي يشيع اتخاذه ازاء الايديولوجيات في عالمنا الاسلامي .
إن النظام الرأسمالي مبني أساسا على قيم فردية . وعلى الرغم من المظهر البراق الذي يتخذه هذا النظام ، حين يؤكد أنه هو المدافع حقا عن الحرية الفردية ، وعن حق الفرد في أن يتحرر من تدخل الدولة في شؤونه ، وحقه في الكلام والتعبير الحر عن الرأي ، إلى آخر هذه الحريات الليبرالية المعروفة ، التي يتخذ منها المدافعون عن النظام الرأسمالي محورا لدعايتهم ، على الرغم من هذا كله ، فإن الحرية التي يدافع عنها هذا النظام هي في واقع الأمر حرية استغلال القوي للضعيف ، وكل ما عدا ذلك من حريات تظل ذات طابع شكلي ما دامت غير متحققة في اطار من العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص .
هذه النزعة الفردية ، التي لا ينكرها دعاة الرأسمالية أنفسهم ، بل يجدون فيها مدعاة للزهو ، تتعارض بغير شك مع القيم الاسلامية تعارضا أساسيا . فروح الدين الاسلامي تتجه إلى تأكيد الاخوة والتضامن والتعاون بين الناس ، وتأبى أن يوضع القوي في مركز يسمح له باستغلال الضعيف ، ثم يزعم أن لهذا الضعيف كل الحرية في أن يعترض كما يشاء ، وما كانت رسالة الاديان ، في حقيقتها وفي جوهرها الباطن ، إلا سعيا إلى اقرار نظام جديد للحياة ، يحل فيه الاخاء بين البشر محل التطاحن والمنافسة القاتلة ، التي لا يمكن تصور النظام الرأسمالي بدونها .
ولا بد أن كل مثقف قد استمع في وقت أو آخر إلى أحد دعاة الرأسمالية وهو يهاجم الاشتراكية لأنها لا تعترف ” بحافز الربح ” وربما أدى عدم اعترافها هذا إلى اخفاق التجربة الاشتراكية ذاتها ، كما يبدو أنه حدث في بعض الحالات . ولو امعنا الفكر في دلالة هذا المبدأ أعني مبدأ ” حافز الربح ” لادركنا مدى الخطأ الذي يقع فيه من يرددون عبارات محفوظة عن تعارض القيم الاشتراكية والاسلام ، أو يتصورون دون أن يجرأوا على التصريح بما في نفوسهم أن الرأسمالية هي حامية حما الاديان ، وضمنها الاسلام .
يتبع
2019/02/18