واشنطن وطهران .. من سيفوز في العراق؟
محمد جهادي
توسعت ساحة الصراع الدولي في العراق منذ اعلان نتائج انتخابات 2018، وحتى هذه اللحظة، فلا فائز في البرلمان بقرار شعبي لمعاقبة الكتل السياسية المجتمعة، ومن حصل على المرتبة الأولى لم يتأهل بعد إلى حسم ملف ترشيح رئيس الوزراء، وهو المنصب السيادي الأعلى في البلاد، وحاجة الأحزاب لبعضا جعلها تدور في تحالفات سائلة تتنقل ارتفاعا وانخفاضا حسب منسوب الدفع الخارجي، وإمكانية التحرك بالماكينة العددية لمقاعده في البرلمان.
اجتماع فندق بابل لكتل (سائرون، النصر، الحكمة، الوطنية)، تمخض عنه تحالف مشوّه، تم معالجته بكلمات مضللة فولدت على أثره “نواة” عرجاء لكتلة لم تصبح الأكبر حتى ألان، والمسار المتعرج نحو الجلسة الأولى للبرلمان اسقط الكثير من النواب على جادة طريق مليء بتجار الأصوات، وعجت وسائل الإعلام بتصريحات “نارية” بين الأعضاء المجتمعين.
كتلة “النواة” العرجاء لم تستطع إكمال المسيرة، نحو النهاية، تطايرت أجزاؤها، وتفرق الكثير من المنضوين فيها، الأمر الذي انهي حظوظ العبادي بالحصول على ولاية ثانية، وتتحدث المعلومات في عن انسحاب 28 نائبا من ائتلاف “النصر”، وعلى رأس المنسحبين مستشار الأمن الوطني فالح الفياض. ولم يصلح العبادي ما افسده تحالفه المتسرع، فاستبعد الفياض من منصبه، واستولى على رئاسة هيئة الحشد الشعبي، منهيا بذلك مغامرة “ائتلاف النصر” غير الناضجة.
وهذا الخليط من الفوضى دفع باللاعب الخارجي بقوة لكونه لم يعد يثق بوكلائه المحليين، فالأمريكي رفع من سقف التدخل، اذ لم يعد تقديم الاستشارة كافيا، لتسخدم لغة التهديد لكتل سياسية رفضت دعم العبادي لولاية ثانية، الا ان الأوان قد فات، والصراخ لا يعيد الموتى، فانهار سقف البيت الأمريكي على قاطنيه العراقيين.
في الاثناء اشتعلت البصرة بالعطش، ودخلت كل المؤسسات الرسمية والحزبية في بنك الأهداف لعمليات الحرق، ووصل بعضها الى القنصلية الإيرانية، ما اثار الشكوك لدى الأحزاب الحليفة لطهران، بوجود يد أمريكية تريد استعادة مركزيتها في القرار العراقي، وبينما سقط 15 مواطن ضحايا لتلك الاحداث، ووقف الجميع على حافة المواجهة الواسعة، ارتفع صوت المرجعية منهيا الجدل بصيغة تزيد من جراح المحور الأمريكي، فالعبادي لم يعد مقبولا، بقرار مرجعية النجف، كما كل الوجوه السابقة.
المبعوث الأمريكي بريت ماكغورك، الذي جاء من واشنطن حاملا شعارا واحدا عنوانه “تجديد ولاية رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي”، يجد نفسه اليوم في رحلة أخرى للبحث عن مرشح مطيع للسياسة الأمريكية بلهجتها العنيفة، لكن يبدو ان الأوان قد فات، والنار الإيرانية الهادئة تطبخ بدون عجل كتلة كبيرة تتسع للشيعة والسنة والأكراد.
ربما تستفيد ايران من خبرتها الطويلة في التعامل مع الملف العراقي، الذي يحتاج الى صبر طويل، فكل الحكومات السابقة لم تشكل الا بعد مباحثات مضنية، وهو ما يضعها في موقع قوة، لا سيما مع وجود خصم امريكي لا يفهم إلا لغة السرعة والقرارات المتعجلة. والأيام القادمة حبلى بتحالفات سياسية أكثر تماسكا في ظل التحولات الجديدة.
2018-09-14