هل أن ما يقوم به رئيس الوزراء العراقي إصلاح حقيقي ؟؟؟؟
عزيز الدفاعي
تناولت في مقال سابق حمل عنوان ( حيدرألعبادي هل هو غورباتشوف أم دون كيشوت ) إبعاد وأعماق قضية الفساد والنهب وتبديد الثروة في العراق . وأعود مجددا وبعيدا عن الشعارات والصراع والتكابش السياسي وطبول الإعلام وتصفيه الحسابات ابين الاخوه الاعداء للتوقف بهدوء للبحث عن إجابات منطقيه لتحليل ما يشهده العراق حاليا من ازمة حقيقية دخل الشارع العراقي فيها لاول مرة كقوة ضغط حقيقي .
فثمة تساؤل أكاديمي مهم علينا التوقف عنده لتقييم الخطوات الإصلاحية التي تبناها رئيس الوزراء العراقي حيدر ألعبادي لمعرفة أي (نموذج) ضمن نماذج الإصلاح العالمية المعروفة يمكن تصنيفها ….
والتساؤل هو: هل ان هذه العملية تتم وفق رؤية وخطه استراتيجية مدروسة ذات مديات زمنية مختلفة لإصلاح النظام السياسي ام الاقتصادي ام كليهما معا …تدريجيا في ذات الوقت بحكم وجود علاقة عضوية ومتداخلة جدا بين الاقتصاد والديمقراطية، لان للتغير السياسي والاقتصادي في علم الاجتماع طبيعة واحدة لا تتجزأ.
فعندما ترغب أية دولة القيام بعملية إصلاح سياسي حقيقي لتطوير مجتمعها وتحقيق العدالة والتنمية والاستجابة لتطلعات مواطنيها فعليها أولا أن تبدأ بعملية إصلاح اقتصادي أكبر وأعمق واشمل وبدونه لا يمكن الحديث عن أي إصلاح سياسي يحقق فرص العمل والحياة الحرة الكريمة ويضمن الحقوق للمواطنين فلا ديمقراطية مع التخلف والفقر .
سوف استعرض هنا للتوضيح عده أنماط رئيسية لعملية الإصلاح السياسي في العالم الحديث ترتبط جميعها بشكل رئيسي بالاقتصاد.
أولا : الدول الغربية: ساهم التطور الاقتصادي في قوى وعلاقات الإنتاج في تطور الديمقراطية والنظام السياسي بصورة متوازية جدا مع تطور أنظمة الحكم فيها وجاء فصل السلطات والدساتير وحرية التعبير استجابة لحاجات تطور النظام الاقتصادي .
ثانيا :مجموعة دول أوروبا الشرقية التي انتقلت نحو اقتصاد السوق والديمقراطية بعد سقوط جدار برلين عام 1989 والتي تشكل أنظمتها بعد أفول الحقبة الشيوعية مزيجا فريدا من الفساد السياسي والنهب المنظم للقطاع العام و خاصة تلك التي حصلت على عضوية الاتحاد الأوروبي الذي يمارس ضغطا شديدا على حكومات تلك الدول ما دفعها إلى إصلاح أنظمتها وقوانين مكافحه الفساد .
ثالثا : مجموعة نمور اسيا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة : التي بدأت تتحول تدريجيا إلى الديمقراطية بفعل زيادة ثراء المجتمع و عمليات الإصلاح والنمو الاقتصادي السريع الذي ساهم في تطور حرية التعبير فجعل الناس يتحررون ويطالبون بمزيد من الإصلاحات المدنية والسياسية.
رابعا :دول أميركا اللاتينية و بعض دول إفريقيا:ويشمل بعض الدول التي فشلت فيها الأنظمة العسكرية والشمولية عن تنفيذ وعودها للشعوب بالتنمية والإصلاح الاقتصادي والسياسي ما أدى إلى قيام تغيرات داخل هذه الأنظمة وتحولها بشكل بطيء نحو الديمقراطية و التي شهدت تطورات وإصلاحات إيجابية على الصعيد السياسي دون إغفال دور العامل الخارجي ( تونس ومصر بعد عام 2010 وتجربه الربيع العربي )
خامسا : النموذج الصيني: والصين وهي دولة مهيأة للتحول الديمقراطي البطئ لكن قد يكون نجاحها وسر قوتها نسبيا يرجع إلى إعطائها الأولوية إلى الإصلاح الاقتصادي على حساب غياب الديمقراطية في دولة يتجاوز عدد سكانها مليار وربع نسمة حيث تشهد الطبقة المتوسطة فيها نموا مطّردا في ظل اشتراكية السوق، وهي على العكس من روسيا التي توجهت نحو الإصلاح السياسي قبل الإصلاح الاقتصادي لان ما قام به غورباتشوف كان لإصلاح الاقتصاد الاشتراكي الذي انتهى بتفتت الاتحاد السوفيتي .
سادسا : نماذج العالم الثالث : أن الجهود الغربية في فرض الديمقراطية في عدد من هذه البلدان التي تفتقد في الأساس إلى تقاليد ديمقراطية حقيقية دائما ما تنتهي بالفشل الذريع لان الاستقرار الاجتماعي وبناء الديمقراطية والمؤسسات المدنية الحامية لها يتحقق في أي مجتمع مع وجود «الطبقة المتوسطة» التي تدعو وتقود الإصلاح السياسي لكونها الأكثر ثقافة وتعليما ومعرفة بحقوقها السياسية، وقادرة على الضغط على الأنظمة القائمة للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات السياسية بينما سجل الدول الفقيرة والنامية عموما سيئ في مجال الانفاق التنموي البناء، في ظل الفساد والرشوة والإنفاق العسكري.
.
سابعا : البلدان العربية النفطية ( نموذج الرفاهية ) فقد حققت هذه الدول رفاهية اقتصادية كبيرة في وقت قصير جدا بفعل النفط وليس نتيجة تطور قوى وعلاقات الإنتاج وفي الوقت نفسه لم تشد أنظمتها السياسية التطور ذاته بل شهدت تراجعا ملحوظا في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير، بل يمكن القول إن الثراء الاقتصادي الكبير الذي تمتعت به هذه الدول أطلق العنان للمزيد من الدكتاتورية.
من هنا يتضح لنا عند تطبيق هذه النماذج لمقارنتها مع ما يجري في العراق أن الإصلاح الاقتصادي هو الضمان الأقوى لبناء أنظمة سياسية وديمقراطية دائمة، وان الإصلاح السياسي كان دائما مقترنا بعملية إصلاح اقتصادي حقيقي .
لقد كشفت أزمة تراجع عوائد النفط التي فجرت كل هذه القضية وأجبرت الحكومة العراقية نحو البحث عن موارد ماليه لتمويل الإنفاق العام ( 3،5 مليار $ شهريا تدفعها الحكومة أجورا ورواتب وتقاعد ) من خلال تقليص حجم وامتيازات الطبقة الحاكمة … ان الاقتصاد العراقي لازال اقتصادا ريعيا بيد دولة قادتها مؤسسه سياسية فاسدة رغم حديثها عن اقتصاد السوق والديمقراطية .
وبالتالي فان جوهر قضية الإصلاح في العراق لابد ان يعتمد اولا على بناء اقتصاد قوي قادر على رفع مساهمة القطاعين السلعيين الزراعي والصناعي وكذلك الخدمات وتنميه وتوسيع ودعم دور القطاع الخاص فالنظام الاقتصادي الحر دائما ما يقوم على أساس وجود نظام سياسي ليبرالي يؤمن بالحرية وبدور مؤسسات المجتمع المدني التي تشكل خط الدفاع الأول للمجتمع من أية أخطار داخلية أو خارجية.
من هنا استطيع القول ان حزمة الإصلاحات التي تبناها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في ظل احتقان جماهيري واسع يطالب بإصلاح شامل وإيقاف الهدر والفساد وتحقيق العدالة في توزيع الثروات أنها للأسف رغم روحها الايجابية فإنها مجرد إجراءات لتقليص الإنفاق الحكومي واستنزاف الطبقة الحاكمة لموارد مالية ضخمه في ظل تراجع عوائد النفط التي تشكل 95% من موارد الموازنة
وهي بالتالي لا يمكن ان تصنف ضمن هذه الرؤية الإصلاحية الشاملة للدولة العراقية التي تسير بعفوية ودون أي رؤية إستراتيجية منذ عام 2003 ولغاية ألان.
فما يطالب به العراقيون هو تغيير جميع الأسس التي قام عليها النظام العراقي في ظل الاحتلال والذين لا يقبلون بمجرد عملية تجميل او ترقيع ذات طابع إعلامي يرفضها أصلا اغلب الطبقة السياسية الحاكمة ولن تساهم بأي حال في إنقاذ اقتصاد متدهور او تحقيق العدالة والتنمية والاستغلال الأمثل للموارد التي يتطلع لها غالبية الشعب العراقي .
١٨ اب٢٠١٥