هلسنكي عنوان التغيرات القادمة في الشرق الأوسط .. لكن ؟
بقلم .. الدكتور حسن مرهج
على وقع الانتصارات الاستراتيجية التي يحققها الجيش السوري و حلفاؤه ، تتجه الأنظار للقمة المرتقبة بين الرئيسين فلاديمير بوتين و دونالد ترامب في هلسنكي ، قمة أسست لها في الظاهر و الباطن المستجدات السورية التي فرضتها الدولة السورية ميدانيا و سياسيا ، وسط تحليلات تسبق القمة المرتقبة و جدول أعمالها ، لكن المشهد العام لهذه القمة يمكن توصيفه بالإصرار السوري لتفعيل منجزات الانتصار ، بالتزامن مع تقهقر واضح للمحور الأمريكي .
لا نبالغ إن قلنا ان في القمة المرتقبة بند واحد سيطغى على باقي القضايا الخلافية بين موسكو و واشنطن ، فالمراقب للشأن السوري يدرك تماما أن تراجع النفوذ الأمريكي سببه خسارة الأدوات التي اعتمد عليها طيلة سنوات الحرب المفروضة على سوريا ، ففي الميدان السوري و على الرغم من تعاظم قوة الدولة السورية و جيشها ، فقد أصبحت إيران لاعبا اول في الكثير من القضايا الإقليمية ، أما روسيا الخارجة للتو من تركة الاتحاد السوفيتي ، فقد بدأت بالتمدد و الحد من النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط ، بل تمردت على هيمنة واشنطن في المياه الدافئة ، و اسست نظرية جيوستراتيجية خاصة بها ، فضلا عن مئات آلاف الغارات التي شنها الطيران الروس في سوريا و التي قصمت ظهر واشنطن و بيادقها على الأرض ، و بالتالي مكن القول أن نتائج الحرب السوري كارثية لواشنطن و ادواتها ، و لابد لمحور واشنطن الخروج بطريقة غير مهينة للتفوق الأمريكي من سوريا و المنطقة .
إذا قمة هلسنكي المرتقبة ستكون عنوان التغيرات في الشرق الأوسط ، لأن الواضح أن واشنطن و أدواتها حاولوا تقسيم سوريا لكسرها ، لكن السوريون اخترقوا خطوط واشنطن الحمراء و قضوا على بيادق البيت الابيض ، في وقت كانت واشنطن تقدم الدعم للإرهابيين في العراق و اليمن و ليبيا و مناطق متفرقة من العالم ، فضلا عن التأزم الامريكي نتيجة تعاظم قوة محور المقاومة في المنطقة ، الأمر الذي يهدد المصالح الامريكية في الشرق الأوسط إن لم يتم الخروج من هذا المأزق ، و لكن بما يناسب محور حلفاء سوريا .
ضمن هذه المعطيات و كنتيجة طبيعية لحالة الخلل في موازين القوى في العالم ، يبدو ان قمة هلسنكي ستعيد بناء العلاقات على اسس التوازن بن القوى العالمية ،و الواضح أيضا ان الشأن السوري و صمود الرئيس الاسد كان له الدور الأبرز في الخلل ضمن منظومة العلاقات الدولية ، فالأسد فرض بصموده معادلات اقليمية و دولية ستؤسس لعالم جديد و لكن بعيد عن الهيمنة الامريكية و القطب الواحد ، فسوريا الرقم العصب و هذا بات في حسابات واشنطن و أدواتها ، فالحرب على سوريا شكلت فرصة لموسكو لإعادة تموضعها في الخارطة الدولية ، وهذه حقيقة لا لبس فيها ، وبما أنّ الأميركيين هم المسيطرون على العالم منذ 25 سنة، وهم الذين تقلص نفوذهم في المشرق ، فمن الضروري أنّ يكونوا البادئين بعرض تنازلات لمصلحة الروس و حلفاؤهم ، لكن في مقابل ذلك تريد واشنطن حياداً روسياً كاملاً في موضوع الصراع الإيراني الأميركي، يصل إلى ضرورة إقناع الصين والهند بمقاطعة النفط الإيراني ، و هنا تبقى آمال الأمريكيين مرهونة بالمرونة الروسية في التعاطي مع هذا الملف .
في النتيجة يمكننا القول بأن قمة هلسنكي ستؤدي إلى الاعتراف بدور روسي عالمي لا يعمل في خدمة الولايات المتحدة الأميركية وسياساتها في المنطقة ، فضلا عن الدور السوري في الكثير القضايا الاقليمية ، مع تعاظم الدور الروسي في خدمة تحالفاته الإيرانية والسورية ، لكن من الممكن أن نشهد تطورات لم تكن في الحسبان خلال الايام القادمة ، و بالتالي سننتظر قمة هلسنكي و مخرجاتها للتأسيس لواقع جديد في العالم بأسره .
2018-07-08