الجزائر: الزوايا الصوفية في مواجهة مهربي التاريخ و التطور المجتمعي
محمد علي القاسمي الحسني
لا يختلف عاقلان في كون الجزائر تعتبر رفقة المغرب حاليا أكثر البلدان العربية أمنا و ازدهارا من الناحية الاقتصادية غير التابعة للدول الغربية و في معدلات النمو و البطالة التي يعرفها البلدان خير مثال ، و لكن ما يميز الجزائر أنها بلد اللامعقول فنواب البرلمان جلهم غير جامعيين و الوزراء جلهم ليسوا في وزارات تخصصهم ، و الأخطر عدم وجود مفت للجمهورية أو هيئة غير مسيسة يرجع اليها الجزائري للسؤال حول أمور الدين ، ما ولد انقساما حادا داخل المجتمع بين الحداثيين المنبهرين بالغرب الى درجة التأليه ، و الصوفيين المنتمين الى الزوايا الصوفية بطرقها المختلفة الداعية الى اتخاذ منهج ابن عربي و الجنيد و غيرهم من سادة الصوفية كمسلك في الحياة ، و لكن الطرف الأخطر حاليا هم الاسلامويون ممثلين في زعيمهم المسمى فركوس الذي تتواصل هرطقاته الدورية و التي كان آخرها قوله بخروج الأشاعرة و الصوفية عن ملة الإسلام السني بعد فتواه الغريبة سنة 1988 بتحريم ارتداء الملابس الغربية كالدجينز مثلا ، فهذا التيار التكفيري يسيطر حاليا على عدد كبير من مساجد العاصمة و كبرى مدن الجزائر وسط سكوت رهيب للحكومة و الزوايا الصوفية التي لازالت تكتفي بالتنديد فقط وسط تراجع دورها في مقابل تصاعد المد الاسلاموي .
ان التحدي الأبرز الذي تواجهه اليوم الزوايا الصوفية في الجزائر هو عصرنة طرق التدريس و مواكبة التغيرات الحاصلة على نواحي شتى للمحافظة على دورها الأساسي الذي اضطلعت به لقرون في شمال افريقيا ، و هذا لا يمكن أن يكون إلا عبر جهود جبارة للسيطرة على الساحة الدينية التي سيطر عليها الاسلامويون بشدة في الفترة الأخرى و لفتوى الشيخ فركوس زعيم التيار السلفي بالجزائر التي أحدث ضجة هائلة خير مثال على الفشل الذريع الذي تعرفه الزوايا التي تناقص عدد طلابها بشكل كبير متجهين الى الحاضنة السلفية المدعوم شيوخها من السعودية التي تغدق عليهم بالمال و الرعاية بل و حتى السفر الى الجامعات السعودية للدراسة و التدريس ، في مقابل شح الموارد المالية المتاحة للزوايا التي أغلق بعضها لعدم القدرة على التكفل بالطلبة ، و هنا كان يجب على الحكومة أن تقدم الدعم المالي لها نظرا لكونها الوحيدة التي استطاعت الحفاظ على المرجعية المالكية الصوفية للجزائر طوال القرون الماضية و كتاب المرآة لحمدان خوجة خير دليل على دور الزوايا ابان فترة الحكم العثماني ، فكيف تسمح الحكومة اليوم بالموت السريري لقلعة التسامح و الفكر المنير .
لالة زينب التي تولت مشيخة زاوية الهامل من سنة 1897 الى غاية 1904 تعتبر مثالا للمرأة المسلمة الجزائرية التي كان لها دور هام في مواجهة الاستعمار الفرنسي و المحافظة على الهوية الإسلامية للجزائريين عبر سهرها الدائم للمحافظة على تدريس الفقه و تحفيظ القرآن الكريم ، فيشهد لها التاريخ أنها واجهت الجنرال كروشار و الحاكم العام الفرنسي اللذان كان يعملان لأجل تخليها عن منصب المشيخة لهدم دور الزواية العلمي و الجهادي ، لأنها كانت تمتلك آلاف الهيكتارات التي كانت منطلقا لهجومات الثوار ضد جيش المحتل ، و لكن المؤسف أن المؤرخين الجزائريين و المناهج الرسمية لم تعطها حقها من الذكر و البحث رافعة من قدر بعض الشخوص عديمي الأخلاق و القيمة الفكرية ، رغم أن لالة زينب و غيرها من شيوخ الزوايا الصوفية يدرس عنهم في الجامعات الأمريكية و الأسترالية و السويسرية ، و لكن في الجزائر يقل ذكرهم نظرا لسطوة التيار السلفي و الفرانكوفوني الذي كتب تاريخا مزورا للجزائر خصوصا فيما تعلق بالثورة الفكرية التي تنسب لجمعية العلماء المنشئة سنة 1931 رغم أنه لولا قادة الصوفية اللذين حاربوا الاستعمار بالفكر و السلاح لما بقي للجزائر هوية عربية و إسلامية ، و في مقاومة الأمير عبد القادر و الشيخ الحداد و بوعمامة خير مثال .
فالزوايا الصوفية قد حافظت على الهوية الإسلامية للجزائر ولازالت تقاوم التيار السلفي الجارف الذي يحاول إدخال الجزائر من جديد في حرب أهلية بينه و بين الحداثيين الفرانكوفونيين ، فإبان فترة الاستعمار الفرنسي كان الصراع على أوجه بين التيار السلفي المتخرج من السعودية ممثلا في جمعية العلماء و التيار المتخرج من المدرسة الفرنسية و كلا التياران كانا يخدمان مصالحهما الضيقة بخلاف الزوايا التي بقيت طوال قرن و اثنان و ثلاثين سنة رافعة السلاح في وجه المستعمر بلا مداهنة ولا هوادة رغم نفي كبار شيوخها و إعدام بعضهم لكنها بقيت ثابتة على المبدأ و لم تتبع يوما الثقافة الفرنسية و قراءة مراسلات الشيوخ و تتبع صورهم خير دليل للتيقن من عدم انبهارهم بالغرب حالهم حال طلابهم اللذين قادوا الثورة التحريرية فيما بعد ، و لهذا فقد تمكنت من التركيب بين تعليم العلوم و محاربة الاستعمار دون أن تقع في جدلية الدين و السياسة ، فالقائل بكون الزوايا الصوفية كافرة و مصدرة للبدع يتناسى أو ينسى بجهل منه أنه لولاها لما استقلت الجزائر ولما بقي دينها الرسمي الاسلام المالكي ، بل و لما بقيت حدودها الجغرافية الشاسعة كما هي عليه الآن ، و لولا محاربة نظام هواري بومدين لها عبر إغلاق المعاهد العلمية التابعة لها و التي كانت قبلة للمدرسين القادمين من الأزهر و الزيتونة و الجامعات السورية و العراقية و منحه الأراضي التابعة لها لشخوص معينين تحت تسمية وهم الثورة الزراعية ، لبقيت الزوايا الصوفية بنفس تلك المكانة العلمية و الاحترام الذي يكنه لها العدو الغربي قبل القريب المسلم ، و لكن جنون السلطة و تأثير المنصب أثرا على تفكير الحاكم فجعله يحاول تحطيم كل مركز علمي يراه عدوا له ، لتبقى الزوايا الى اليوم تجاهد جنون التاريخ و تخلف المجتمع و الفراغ الفكري للشيوخ المتاجرين بالدين و الهوية .
( الطالب الجزائري )
2018-04-02