إن متابعة الأخبار التي ترد من الأراضي الفلسطينية المحتلة توحي بأن المستعمرين الإسرائيليين يدخلون تدريجياً في مأزق وقع فيه من قبلهم الذين سبقوهم على نهج الإستعمار الإستيطاني والتمييز العنصري. ولكن المفارقة هنا هي انه بموازاة تزايد التأييد الذي يلقونه من جانب حكومات الدول، يتنامى أيضاً تعاطف شعوب العالم مع الفلسطينيين. أما سبب ذلك فإنه واضح جداً، بعد أن أفصحت عنه سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة التي صرحت عقب تقديمها مهزلة «الصاروخ اليمني» أمام الجمعية العموميّة، في محاكاة للوزير الأميركي كولن باول وخزعبلاته أمام نفس الجمعية عشية غزوالعراق، عندما هددت هذه السفيرة الدول التي تعترض على قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى مدينة القدس بالويل والثبور وعظائم الأمور! ولكن صربيا الصديقة منذ زمان تيتو وعدم الانحياز إعترضت بينما البوسنة الإسلامية إمتثلت!
أما البرهان على المأزق الإسرائيلي فإني أجده في مطاردة قوات المستعمرين للأولاد في فلسطين وفي اعتقال صبية وصبايا غير بالغين في محاولة مُعايـَنة لإبتزاز أهلهم والضغط عليهم وإذلالهم. لقد عرفنا هذا السلوك الإسرائيلي القبيح في جنوب لبنان عندما كانوا يداهمون المنازل ليلاً ويختطفون الأبناء المراهقين من بين أفراد عائلاتهم ويأخذونهم إلى معسكر أنصار رهائن. إن الإنحطاط إلى هذا الدرك هو من وجهة نظري دليل على أن المستعمرين بدأوا يدركون أنهم في ورطة!
بالعوده إلى قرار الرئيس الأميركي حول موضوع مدينة القدس، أقول أن هذا الرئيس إنتخب من أجل تطبيق السياسة التي تجسدت حتى الآن في دعمه المطلق من جهة لإسرائيل وتحديداً في مشروعها الهادف إلى تهويد فلسطين، وفي تأييده للإجراءات التي يتخذها ولي العهد السعودي، في داخل المملكة وفي اليمن وسورية من جهة ثانية!
من البديهي في هذا السياق أن السلطة في رام الله لا تستطيع مواجهة قرار الرئيس الأميركي القاضي بإعتبار مدينة القدس مدينة «يهودية» ليست تحت الإحتلال. لا بد من التذكير هنا بأن حركة التحرير الوطني الفلسطيني صودرت من زمن بعيد على يد نظم الحكم العربية التي تغلغلت في جسم هذه الحركة واسرتها حتى لا تكون نقيضاً لها وبديلاً عنها بالإضافة إلى الحؤول دون عودة هذه الحركة إلى مكانها الطبيعي في حضن حركة التحرير العربية، هذا التحرير الذي لم ينجز بالضد من مزاعم نظم الحكم العربية. نجم عنه أن منظمة التحرير الفلسطينية إنضمت إلى النظم الأخيرة فاعتبرت نفسها نظاماً حكومياً عربياً وتعلمت مذاك ممارسة «السلطة الحكومية»، دون الحاجة إلى الأرض، على الفلسطينيين وتجاه «الشعوب العربية الشقيقة» وعلى الشعب اللبناني الشقيق الذي كانت تعيش بين ظهرانيه تحديداً!
أعتقد أن ما تقدم يكشف أن القضية الفلسطينية سقطت في الراهن، في مستنقع . فلا يُسمع من وقت إلى آخر إلا النقيق كلما سقط شهيد، أما المسؤولون فأغلب الظن أنهم يحزمون حقائبهم خشية الجفاف، إذ ليس بأيديهم حيلة لأنهم شركاء في رأيي في ترتيب أوضاع فرضها المستعمر على الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة وفي مخيمات اللاجئيين في لبنان وسورية.
بكلام آخر إن السلطة الفلسطينية هي في جوهرها صنيع المستعمر وأن القوى الوطنية الفلسطينية «رُوِّضت» فلا يخرج منها من وقت إلى آخر إلا شاب أو شابة يحاول ضرب جندي إسرائيلي بحجر أو صفعه! إن السلطة الفلسطينية مرتهنة في الواقع للولايات المتحدة الأميركية وللدول الخليجية ورهنت الفلسطينيين معها!
ومن سوء حظ الفلسطينيين أن لديهم سلطتين. ففي قطاع غزة توجد سلطة حركة حماس. علماً أن المستعمرين الإسرائيليين قرروا فصل القطاع عن الضفة الغربية، وبالتالي فهم يمنعون التواصل بينهما. من المعروف بهذا الصدد أن حركة حماس تربطها علاقة وثيقة بحزب السيد رجب أردوغان، كونهما يدوران في فلك الإخوان المسلمين. لا أظن أن هذه العلاقة تحتاج إلى برهان، فلقد تجلت بوضوح من خلال مشاركة حركة حماس إلى جانب تركيا وقطر في الحرب على سورية وفي إقحام مخيمات اللاجئيين الفلسطينيين في أتونها بالرغم من حساسية موضوع المخيمات وتشجيع الإسرائيليين على محوها!
واستناداً إليه فالرأي عندي أن التعديلات والتحولات التي تطرأ على مواقف حركة حماس ما هي إلا انعكاس لمثيلاتها في السياسة التركية في سورية وفي منطقة الخليج. إذ يتناهي إلى العلم من وقت إلى آخر أخبار عن متغيرات في الحركة التركية في المثلث الروسي الإيراني الأميركي! وفي الموقف أيضاً من نذر الإضطرابات التي من المحتمل أن تقع في الخليج، حيث اضطرت تركيا إلى إرسال قوات عسكرية إلى قطر في مواجهة التصعيد السعودي المصري ضدها.
في الختام اعتقد أن الإنسان العادي، السليم، لا يكون مستعمراً ولا يصالح مستعمراً. أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبّت جوهرتين مكانهما هل ترى؟
أتنسى ردائي الملطخ… تلبس فوق دمائي ثياباً مطرّزة بالقصب؟
سلام عليك يا أمل دنقل.
2018-01-14