منذ شهرين تم لقاء بيني و بين أحد القياديين و الكتاب في هيئة التنسيق السورية المعارضة للحوار حول مستقبل القضية السورية و مآلاتها المتوقعة حسب الكباش الدولي القائم و المستمر لأجل غير محدد حتى الآن رغم الاستعجال الذي كان ظاهراً من قبل القوتين العظميين الولايات المتحدة و روسيا الاتحادية للوصول إلى حل سريع قبل نهاية عهد أوباما و دخوله بمرحلة ما يسمى البطة العرجاء و كان وجه الخلاف بيننا بالنظر إلى طبيعة الدور الروسي فهل ينطلق بموقفه و تدخله تحت المظلة الأميريكية كما هو رأي صديقنا أم ينطلق من خلال مشروع منظمة شنغهاي الأمنية الاقتصادية السياسية في محاولة لرسم معالم دولي جديد متعدد الأقطاب و الخروج من الأُحادية القطبية التي سيطرت على العالم منذ قرابة العقدين
تعود الحساسية الغربية تجاه روسيا منذ أن حاول نابليون بونابرت غزو روسيا عام ١٨١٢ و فشله بذلك و تكررت المحاولات لاختراق روسيا عبر الغرب في الحرب العالمية الثانية و استمرت بعد ذلك من خلال الحرب الباردة حتى تم إسقاط الاتحاد السوڤييتي عام ١٩٩٠ بعد الحرب الجهادية التي نظمتها المخابرات الأميركية في أفغانستان عبر استخدام المال الخليجي و الموارد البشرية للإسلاميين الأفغان و العرب و كان الدافع الأساسي للحساسية الغربية تجاه روسيا تعتمد على أطماع الغرب الناهب للشعوب بالموارد و الثروات الهائلة التي تتمتع بها روسيا و المساحات الهائلة للأراضي التي تزيد على مساحة أوروبا لأكثر من الضعفين في حال احتساب روسيا البيضاء و أوكرانيا ضمن الإطار الحيوي لها بالإضافة للنزعة الاستقلالية التي يتمتع بها الروس أي كان طبيعة الحكم القائم و التي تستند لقساوة الطبيعة الروسية و المناخ البارد فيها
رغم انتهاء الحرب الباردة و انهيار الاتحاد السوڤييتي و تقلص المساحة الى حدود روسيا الاتحادية و رغم المعاهدات المعلنة و السرية التي أعقبت و التي بموجبها يضمن الغرب سلامة وحدة الأراضي الروسية و عدم توسع حلف الأطلسي إلى شرق أوروبا مع إدخالها ضمن النادي الغربي شرط اتباعها للنظام الرأسمالي الليبرالي مع مساعدتها في تطوير بنيتها التحتية لتتلاءم مع طبيع النظام الجديد فإن تجربة يلتسين في الحكم أثبتت و بما لا يقطع مجال للشك بإن الغرب لم يكن يسعى لاسقاط الاتحاد السوڤييتي بل لتحطيم روسيا التي لديها أربعة موارد رئيسية يمكن أن تستخدمها لإعادة بناء الدولة الروسية القوية ( النفط و الغاز و السلاح و الأخشاب ) و هي موارد تسيل لها لعاب الغرب و لا يسمح لأحد أن يكون مستقلاً باستثمارها بالإضافة إلى الخشية من تشكيلها مع الصين الناهضة فضاءً جيوسياسياً واحداً
أعادت بقايا الدولة العميقة للجهاز الأمني الروسي ( ك ج ب ) السابق السيطرة على المسار السياسي الاقتصادي العسكري لروسيا باستبعاد يلتسين و الاستعاضة عنه بشخصية بوتين و الذي استطاع خلال عقد من الزمن أن يستثمر المقدرات الروسية الأربعة بإعادة بناء الدولة الروسية على أمل عودتها للنادي الدولي و قبول الغرب بشراكتها في القرارات الدولية رغم تعرضها لمحاولة الاستفزاز بالحرب الجورجية عام ٢٠٠٨ مع العمل على تأسيس منظومة دولية بديلة تؤمن لها البديل بما يسمى دول البريكس
أدرك الروس بنهاية عام ٢٠١٠ و مع بدء الحراك الأميركي بتونس و الفخ الليبي في عام ٢٠١١ أن المنطقة العربية ستدخل في الفوضى و الاضطرابات الأميركية المنشأ و لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات و لا تزيد عن عشر سنوات و انتقلت الإضرابات الأميركية في أغلب المنطقة العربية على أيدي منظمات الإسلام السياسي لتصل إلى سورية التي كانت مهيئة لذلك بسبب سوء الإدارة الداخلية و هنا وقفت روسيا بصلابة لتقف بوجه إيجاد المبررات القانونية لاجتياح حلف الناتو و عبر تركيا و المنظومة العربية في مجلس الأمن
أدركت روسيا بأن وقوفها على الحياد في المسألة السورية يعني سيطرة الإسلاميين على السلطة في دمشق و من بعدها بغداد و هذا يعني أمرين خطيرين على الأمن القومي الروسي
الأول هو تمدد الإسلاميين و عبر تركيا رأس حلف الناتو فالشرق إلى قلب موسكو و إدخال روسيا بإضرابات دينية و قومية ستجعل من روسيا و مواردها لقمة سائغة في بطن الغرب
الثاني و يتعلق بفتح ممرات الغاز القطرية إلى أوروبا عبر سوريا و تركيا ليقضي على ميزة الغاز الروسي إلى أوروبا و الدور السياسي المرافق له
و مع تطور الحرب في سوريا كان لابد للدخول الروسي بثقله الجوي و بالتنسيق مع إيران و الصين و سورية لتغيير موازين القوى على الأرض السورية للضغط على الأميركان من أجل إيجاد مخرج سياسي للحل يرضي جميع الأطراف المحلية و الإقليمية و هنا الالتباس الذي حصل للروسي الذي ظنّٓ بأن ما قام به خلال خمسة أشهر قد فرض على الأميركي السير بحل سياسي وفق مدد زمنية محددة و بموجب هذا الحل تصبح سورية تحت المظلة الدولية الروسية مع الحفاظ على المصالح الأميركية و على وجود اسرائيل آمنة ضمن صيغة متفق عليها بين الدولتين الكبيرتين مما رتب على الروس أن يضغطوا على حلفائهم الإيرانيين و السوريين و حزب الله و بقية القوى أن يوقفوا اندفاعتهم العسكرية في ذروة انهيارات الجماعات المسلحة مما وفر فرصة ثمينة لها لتلقي دعم عسكري و بشري أميركي و عبر تركيا و الاردن يسحب كل ما تم إنجازه خلال أشهر و ترافق ذلك مع تصعيد أميركي شديد في بحر البلطيق و رومانيا و بولندا و جورجيا و خديعة عسكرية في سورية و تلا كل ذلك استهداف و اغتيال القائد العسكري لحزب الله مصطفى بدر الدين
الروس اليوم في موقف حرج فليس أمامهم سوى خيارين
الخيار الأول بأن يقبلوا بالعمل تحت المظلة الأميركية و وفق المصالح الأميركية أولاً و هذا يعني بالنهاية سقوط موسكو بيد القوى الأميركية النيوليبرالية الروسية المنشأ و عودتها إلى دولة من دول العالم الثالث
الخيار الثاني بأن تعود للتحالف المتشكل في سورية و تتابع مهماتها بالتغطية الجوية و السياسية لمحور يمتد من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط الذي يسعى لمكان تحت الشمس رغم الكلف الباهظة لذلك
الأسابيع و الأشهر القادمة ستحسم الأمور و خير من سيساعد روسيا على حسم خياراتها هو الحماقات الأميركية التي تُمارس أكبر الضغوط و أكثر الخدع معها و عندها لن تجد خيراً من شركائها على الأرض