عشق…!أحمد حسين
عشق
أحمد حسين
1
راحلة ً كالسحابةَ
لا شيء يوقفها غير موتي .
سمعتُ انكسار خطاي
على صخر غيبتها :
لا غيابَ
إذا لم يكن أحد بانتظاركَ
كل الملاحم تبدأ من مولد الراوية .
صغيرٌ هو الموت ُ
أكبر منه انكسار الثكالى على الميت ِ
لكنه قارب مثقل بطقوس الوداع ِ
وميناؤه آخر الوهم ِ
لاشيء إلا رحيل السحابة صيفا ً
على عطش الماء في الساقية .
أطيل مكوث رحيلك بالوهم ِ
أحيا لأحمل موتك ِ
ماذا أريدُ
سوى أن يطول ابتعادك عني
ليقترب القرب أكثرْ ؟
ولست الوحيد الذي يحمل النعش َ
لكنهم يسرعون إلى القبر ِ،
حين يطول الرثاء
تصير الجنازة أقصرْ .
وهذا أوان الرجوع إلى الكهف ِ
طال مكوث الجنازات فينا
يقولونَ :
في دمنا تستحم المدارات ُ
يصحو عليه الصباح ُ
ويغفو المساء ُ،
ونسهر نحن على صيفه ِ
من يعزي الثكالى سوى الثاكلين َ ،
سنمحو دماء العصافير ِ
عن صدر هذا العذاب الطويل ِ
لقد خذلتنا الحكاية ُ
حتى دماء الشهيد الأخيرْ .
فرغنا من الحب ِ
صرنا زمانا من الوصل لا ينتهي
على كل نافذة خلفها عاشقين ِ
مساء ً من الدمع والوجنات ِ
على كل نافذة خلفها لا أحدْ .
سحيق زمان المحبين َ
إن حدّق القلب فى الوصل ِ
شاهد وجهين في صخرة ٍ
من زمان بعيد ٍ ،
وأعرف وجهك ِ
فالوجه في الوصل كل الجسدْ .
وأنكر أنك مت ِّ
أعيد الجنازة أدراجها
رحلة لا يراها المكان ُ ،
إذا ابتعد الشيء عن نفسه ِ
منحته الحكاية ُ
بيتا قديما من الشعر يسكنه ُ
ورداءً من الصفح عما جنته يداه ُ
تقولين لي :
حين كنا معاً لم يفدنا سوى الصفح ِ
واصل خطاياك لا تعتذر لي
ولا للنساء ِ
فهذا هو العشق ُ
باب إلى كبرياء الخطيئة ِ
لا يعبر الباب َ
إلا إلى ذاته العاشقُ .
وأنت فلسطين ُ
أرض المعاصي النبيلة ِ
لؤلؤة الروح فوق جبين الحكاية ِ
تعطي القلوب التي عشقتْ وجهها
زينة للجياد التي عشقتْ ليلها
فأي سماء وأي نبي وأي امرأة !
وأية خمر بدون كؤوس ٍ
تدار على صدرها
ليلة َالراحلين َ
يديرون كأس الخلاص على الميتين !
هي الجسد الروح ُ
قُدْس الخطيئة في شارع الأنبياء الطويلِ
إلى الخمر والخبز والفاكهة ْ
ولحم القرابين فى مخدع الله ِ
يغسل كل خطايا الجسدْ
بماء تعمدت ِ الروح فيه ِ
وأعطتْ طفولتها للخراف التي
أرضعتها الذئاب أمومتها في المعابد ِ
تغرس أنياب طِيبتها في الجياع ِ
فمن علم الروح حب الدماء ِ
سوى الجوع ِ،
منذا تُرى
علم الجوع أكل الجياع ؟
11
كنا معا قطرة ً
في سحابة صيف ٍ
نزلتُ على السفح فاستوقفتني الجداول ُ
واسترسلتْ في الرحيل وقالت :
أقم حيث انت َ
أنا فكرة عاشقة ْ.
سيرسلك الوهم نحوي أخيراً
وأغرس صوتك في وتر الصمت ِ
لحنا يراود حزن السكارى
يدقون في آخر الليل باب السؤال ْ:
لماذا نسينا بأنا سننسى ؟
طويل هو الدرب ُ
والخمر تمشي بنا في سراب الشوارع ِ
لولا رسمنا على مدخل الحي خطا ً
ربطنا مناديلنا إذ خرجنا
على شجْرة البرتقال على الناصية .
قفوا يا رفاق النبيذ المعتق ِ
مثل زقاق قديم ٍ
روته الحجارة قبل ابتداء الكلام ِ
قفوا !
نحن لم نصحُ يوما لنسكرَ
هذا سراب الأزقة ِ
هيا اجلسوا قرب هذا الجدار
ستصحو الأزقة من سُكرها
حين يأتي الصباح ُ
وتسترجع الذاكرة ْ.
لا أراها ولكن تُرى هل تراني ؟
لها وجهها الآن َ
تحت خريف الصنوبر ِ
تسترق السمع للصمت ِ
تحصي غروب الأماكن ِ
عن تلة تفقد الذاكرة ْ.
أقول لها
لا أراك ِ
فهل أنتِ أنت ِ
يغيرني الوقت ُ
أجلس خلف المكان الجديد ِ
أتابع عشق الأماكن وحدي
فهل غيرت عشقك الأمكنة ْ ؟
لا أراني ولكن أراها
أجدد من وهمها طلعتي
عند رواد وجهي :
أنظروا !
ليس لي غير وجهي مكان ٌ
ولن تأخذوا منه شيئا ً
سأفقأ أرواحكم بالمحاريث ِ
أغزو موائدكم بذباب الحقول ِ
أنا عابر في الطقوس ِ
دعوني ألاحق موتي على صيفها
وخذوا الصيف والبحر والبرتقال َ
لكي تندموا لاحقا ً
كل قبر هنا حشوُه ميت ٌعاشق ُ.
يقولون لي : لا تخف ْ !
مُت هنيئا مريئا على صيفها
نحن لسنا ربابنة للفصول ِ
لنحرسَ ألوانها من نصوص الغرام ِ
فخذ ما تريد القصيدة ُ
واترك لنا ما نريد ُ
جميع الطقوس سواسية ٌ عندنا
من أراد الصلاة َ
تركنا له فسحة في الفضاء ِ
لأن حجارتنا لا تحب الغريبَ
فغادرْ ثيابك في مخدع الروح إن شئتَ ،
لا تغلق ِ الباب حتى نراك َ
فإن جئت َتطرق باب الجسد ْ
سقطت قتيلا على بابها
كل قبر هنا حشوُه عاشق ميتُ .
111
نرحب بالقادمين إلى حفرة الروح ِ
في أرض كنعان َ
كي ينقلوا دمنا
من خوابي النبيذ التي خبأوا
بين سيقان روما لتبتاعها الأديرة ْ .
نرحب بالقادمين إلى الناصرة ْ ،
ولكننا لا نراهم
قد أبتعد الوقت فينا كثيرا ً
ومرت بنا عربات الصدى
وهي تحمل منا إلها شهيدا ً
سيرجع يوما ليختتم الملحمة ْ.
سيجلس في ساحة العين ِ
يرفض أن يدخل باب الكنيسة ِ :
من قال للروم أن يدخلوا بيعتي
أخرُجوا من مدينة أمي .
1111
ما الذي يمنع اللهَ
أن يخرج من سجنه في النواميس ِ
كيف يصير إلها على ذاته ِ
وهو لم يعصها مرة واحدة ْ ؟
لماذا يغادرنا في يد الجوع والبندقية ِ ؟
إنا ضجرنا من الموت ِ
نعرف كل التفاصيل عن ساعة الإحتضار ِ
ونعرف كيف تكون الرصاصة والخبزُ
وكيف يكون النزول البطيء ُ
إلى مائدة الأقحوانة في الليل ِ ،
نجلس في الإنتظار ِ
فإن الذي سوف يأتي سيـأتي
ونحن على موعد مع يد العاصفة ْ ،
ليته يترك الموت يختار قتلاهُ
يقتل من شاء ممن يريدُ
سوى العاشقين َ
إذا مر عبر الجدار رآني
أقبّل دُميتها باكيا
لا تخف !
سوف أبحث عن ميت في الزقاق القريب ْ.
إذا استرجع الله منا رسائله ُ
علمتنا الحكاية أسرارها العاشقة ْ:
هو الموت لا يقتل الحُب َ
لكنه يقتل الوقت في القبلات ِ
ويستبدل العاشقين َ
على فرشة العشب ِ
لا تذهبوا في الغياب بعيداً
قفوا تحت أقدامكم ْ
كي تعودوا على ما تيسرَ
من عشبها في فوات الأوان ٍ
هو الموت لا يقتل الحب
سوف أعيدُ الجنازة أدراجها
يا له من صباح كإطلالة النهد ِ
حين يناوله الثوب للمس ِ
هاتي يدي
إرجعي نحو صدري
غيابا كرائحة الياسمين ْ
سيأتي المتوّج بالمجد ِ
يعطي النساء الجميلات أجنحة ً
كي يوافين عشاقهن َّ
ويجلس في ساحة الوصل ِ
يُلقي نواميسه في جيوب العواصف ِ :
لا ترجعي أبداً
أنت ميتة وأنا الحي ُّ
لكنني كنت ما شئت ُ
لا ما أشاء ُ ،
وبعد ُ
سأكتب شعري عن الخبز والعشق ِ
أطعمكم بيدي َْ
وأغفر كل الخطايا الجميلة ِ
قوموا لمعصيتي واعشقوا !
11111
يقرأ الصمت أجراسه ُ
علمته الدفاتر نسج المواويل ِ
من سترة الأنبياء ِ ،
بعيد ٌعزاء التي نقضوا غزلها
إن هذا الضجيج المخيف َ
على جثة النهد ِ
صوت الطقوس التي تحرس الخوفَ ،
من يحرس الزهر في الخد ِّ
والياسمين على الصدر ِ
وهذا الجمال َ
على باب هذي الحديقة ِ
مما يعد الذبول ْ ؟
إذا لم تحب النساء ُ
لماذا إذن تشرق الشمس ُ
تمد الزهور إلى النحل ألوانها
ولماذا الرجال ُ؟
وهذا التشرد في رحلة الموت عبر الحياة .
قياصرة ٌ في الكهوف ِ
سكارى من الذعر ِ
يستدرجون النهار إلى كهفهم
ليبيتوا على حافة النوم ِ:
من يحرس امرأة الكهف من سحرها ؟
تمد الحياة حبائلها في الجمال ِ
يمد الجمال حبائله في النساء ِ
يمد الرجال حبائلهم في الدماء ِ
فهل للسفينة دربٌ
سوى هذه الموجة الفاسقة ْ ؟
لمن يحملون رجولتهم يا ترى !
1
أتوّج ُرأسك بالأقحوان وبالياسمين َ
أعود إليك من البعد والقرب ِ
مثل التفات الفراشة ِ
بين نوافذ ألوانك الحانقة ْ .
سلام ٌعليكِ !
2022-12-09