ا.د عامر حسن فياض
حتى لو كان لدينا نظاما سياسي يعتمد دستور مبني على مبادئ واحكام، لو طبقت، ستكون صالحة لبناء دولة العراق الحديث الحق.. نظام سياسي له القدرات والثروات، الكفيلة بجعله نظاما سياسيا مؤهلا لخلق وتنضيج المستلزمات الاقتصادية في بناء الدولة الحديثة (اقتصاد متوازن يوازن نسبيا بين الانتاج والاستهلاك ومستقر يلبي الاحتياجات الاساسية التي تحافظ على الكرامة الانسانية والعيش الكريم للعباد في العراق).
نظام سياسي مؤهل لخلق وتنضيج العوامل الاجتماعية في بناء الدولة الحديثة (توازن اجتماعي قبة الميزان فيه الفئات الوسطى المستنيرة والميسورة وذات الحجم العددي المناسب)… نظام سياسي مؤهل لخلق وتنضيج المتطلبات الثقافية لبناء الدولة الحديثة (غلبة التفكير والسلوك العقلاني على كل تفكير وسلوك لا يقبله العقل والمنطق).
حتى لو افترضنا امكانية توافر كل او بعض من ذلك فمن هم بناة هذه الدولة؟ ومن اين نأتي بهم؟ واي ارحام معملية سوف يتوالدون منها ليصبحوا بحق اسطوات بناء دولة عراق حديث ننشده؟
بالتأكيد لا يمكن استيرادهم من برانية العراق وخوارجه بل ممكن ايجادهم في جوانية العراق ودواخله من افراد وجماعات ومؤسسات سلطة.. ولكن من اي افراد؟ ومن اي جماعات؟ ومن اي مؤسسات سلطة؟
ان الدولة التي نحلم بها ونسعى لتحقيقها هي دولة موصوفة بالحداثة والمدنية عليه الافراد والجماعات وشخوص المؤسسات ينبغي ان يكونوا موصوفين ايضا… فالخارطة الاجتماعية للافراد في العراق موزعة مابين (افراد/رعايا) و(افراد/اتباع)(افراد/زبائنية) و(افراد/مواطنين) ولا صنف موصوف من هؤلاء عدا الصنف الرابع (الافراد/المواطنين)،هي اصناف صالحة كرحم معملي لصناعة اسطوات بناء دولة..كذلك الخارطة المجتمعية للجماعات في العراق موزعة مابين جماعات تقليدية (عوائل-عشائر-مذاهب-قوميات-مناطقيات) وجماعات غير تقليدية (احزاب-مؤسسات مجتمع مدني-نقابات-جمعيات-منتديات-اتحادات..الخ) والصنف الثاني هو الرحم الولاد لأسطوات بناء دولة دون غيره من الصنف التقليدي.
اما الخارطة السياسية لمؤسسات السلطة فأنها تحتضن من بين ما تحتضن شخوصا يصلحون ان يكونو اسطوات بناء دولة طالما امنوا بأن السلطة ومؤسساتها التي يعملون بها لابد ان تكون سلطة شرعية تقوم على ركني القبول والرضى بالانتخابات واستمرار القبول والرضا بالانجازات..
بأختصار شديد ان اسطوات البناء ينبثقون من ارحام ثلاثة هي رحم الافراد المواطنين ورحم الجماعات غير التقليدية ورحم مؤسسات السلطة الشرعية وهؤلاء كي يخرجوا لنا بهذا الوصف اي رجال دولة لابد وان يتمتعوا بجملة خصال تلخص ابرزها:-
_ ان يكون رجل دولة تكميلي وليس تصفيري في تفكيره وسلوكه عندما يتولى منصبا عاما.
_ ان يكون تفاعلي وليس انفعالي في تعامله مع الاخر المختلف وغير المختلف.
_ ان يكون مؤهلا لقبول الاستقالة وليس الاستطالة في تولي المنصب العام عندما يفشل او يراد له ان يفشل.
_ ان يكون مثقفا بثقافة المعارضة بمعنى ان يقبل المعارض له ويقبل ان يكون معارضا.
_ ان يكون عاشق مستقبل بواقعية اجرائية وليس برومانسية خيالية، ومستحضرا لموروث ليتعلم منه دروس ويغادره مغادرة ايجابية دون ان يعيش فيه ويعتاش عليه .
_ ان يدرك ان عملية بناء الدولة بهذه المواصفات هي مسارات حبلى بالعقبات وليس قرارات ولا نزوات ولا امنيات.
ومن بين ابرز العقبات هي العوز التشريعي والعجز الخدمي والعوق المؤسساتي وعشق الماضي، والعرج المعرفي والعزوف عن الاولويات والعبث بالمال العام وعدم استكمال الاستقلال الوطني والاستقواء بالاجنبي.
_ ان يعمل من اجل استكمال الاستقلال ومغادرة ثقافة الاستقواء بالاجنبي لضمان التماسك الوطني.
ولحين ما نلقاكم ايها الاسطوات ستتحقق الامنيات…
2022-11-23