نموذج المهاجر اليهودي الى فلسطين ( الحلقة – 1)!
علي رهيف الربيعي
ان فكرة الغنيمة ، هي الفكرة المحورية التي سيطرة على الصهيوني النازح من أوربا. إنهم سوف يحلون محل سكان البلاد الأصليين وسوف تزول إليهم أموالهم واعمالهم واراضيهم.. إن كل من اضجرته الفاقه،. رأى في فلسطين ملاذه. واذا كان الرواد الصهاينة الأوائل قد ذهبوا الى فلسطين خلف أفكارهم الاشتراكية الخيالية فأنهم وان كانوا يحملون في اذهانهم نموذجا فكريا فقد كانوا يعبرون بذلك عن فشل جمهرة لا بأس بها من اليهود عن الاندراج في الحركة العمالية الناشطة التي عرفتها في النصف الآخر للقرن التاسع عشر، فحملوا معهم اشتراكية مساوتية غير نضالية تقدم على استبدال البيئة والمناخ وليس استبدال المجتمع والطبقة. لقد رأوا ان يسلكوا في فلسطين نفس مسلك الجيتو ولكن جيتو صنعوه لهم بأنفسهم ولم يضرب عليهم وهذا الخيار في حد ذاته ( الخيار الانعزالي عن حركة الصراعات الاجتماعية المعاصرة لهم وقتئذ يعبر بشكل خفي عن ارستقراطية عنصرية ” ولكن الذين لحقوا بهم من يهود شرق أوربا بعد ذلك لم يكونوا يحملون حتى هذه الروح المثالية المريضة بل جاؤوا لكي يستأنفوا حياتهم الطفيلية السابقة في بلادهم والتي رؤوا ان الثورة البلشفية في روسيا سوف تحرمهم من استمرار ادوارهم الطفيلية ويوضح ذلك الكاتب اليهودي الماركسي إسحاق دويتشر (1) إذ يقول ” ساد بين يهود شرق أوربا الشعور بأنه ليس غير للاطاحة بالقيصرية طريقا للخلاص من التفرقة والاضطهاد اللذين كانوا يتعرضون لهما، فلعب اليهود دورا بارزا في الحركة الثورية” ( 2) ولكن بعد أن قامت الثورة كان هناك موقفا آخر لليهود ” لكن عندما جاءت الثورة فعلا كان للتحول الفجائي في المجتمع، اثره الأليم والمفتت على جزء غير قليل من السكان اليهود.. إذ انه لما كان كثير من اليهود في روسيا من صغار أصحاب الحوانيت والحرفيين والمضاربين فقد حاولت الثورة بالضرورة ان تعيد صياغة هيكل حياتهم بأكمله.
ان ما حاولت الثورة تحقيقه هو ما سمى جعل اليهود منتجين، تحويلهم الى عمال مصانع، الى مزارعين، الى قوة عمل عصرية. ووجد صاحب الحانوت نفسه على حافة هاوية. فالنظام الجديد لم يحابه. صحيح أنه حرره من الخوف ومن المذابح والاضطهاد،. لكنه هدد طريقته المألولفة في الحياة كوسيط وكتاجر بدائي ” (3) لذا كان النزوح الى فلسطين استجابة للدعوة الصهيونية هو امل الخلاص من أجل الاستمرار بنفس المنطق الطفيلي وتحقيق حلم الثراء على ثروات وموارد الآخرين مخدرين بأوهام دينية أسطورية من ” وعد الله “.
وصل هؤلاء ” الموعودون من الله ” بكل ما يحملون من قسوة اورثتها اياهم ايام الاضطهاد القيصري والنازي يدمرون ويسحقون وينهبون ثروات الفلسطينيين ” سكان الأرض الموعودة” من أجل استمرار نمط الحياة الطفيلي والمحافظ على هوية البرجوازي الصغير. ويعترف بذلك دويتشر ” لقد زرت هذه المستوطنات في حينها وشهدت الجهود غير العادية التي يبذلها بعض الرواد المثاليين وبعض اليهود المتحمسين لكي يحولوا على الاقل قطاعا من السكان اليهود الى مزارعين صالحين .. لكن كل هذه الجهود لتحويل التاجر الى مزارع فشلت فاليهود ببساطة لم يكونوا مهيئين لمثل هذا التحول، لمثل هذا التغير العميق والفني في نمط وجودهم بأكمله ( 4).
(1) أعلن سنة ١٩٤٥ في مقالة له بمجلة ذي ريبورتر : انه تخلى عن عداء الصهيونية منذ زمن طويل وعلل بأنه ” ذلك العداء الذي كان مبنيا على الثقة بالحركة العمالية الأوربية او على قاعدة أعرض من الثقة بالمجتمع الأوربي والحضارة الأوربية وهي ثقة لم توحها تلك الحضارة حقا” ، ثم يقول نادما ” ولو انني بدل الجدل ضد الصهيونية في العشرينات والثلاثينات كنت قد دعوت اليهود الأوربيين للهجرة إلى فلسطين ، ربما كنت قد ساعت في إنقاذ بعض الأرواح التي ابيدت بعد ذلك في غرف الغاز الهتلرية ” إسحاق دويتشر، دراسات في المسألة اليهودية، ترجمة مصطفى الحسيني ( بيروت : دار الحقيقة، ١٩٧١) ، ص ١١٠.
(2) المصدر نفسه، ص ٦٣.
(3)) المصدر نفسه ص ٦٣.
( 4) المصدر نفسه ص ٦٤.
يتبع